الخطبة الثانية :
وإليكم بعض الأمور التي ينبغي مراعاتها والتنبه لها بما يخص يوم الجمعة .
أولاً : إذا دخلت والإمام يخطب فإنه لا يجوز للمسلم أن يجلس حتى يصلي ركعتين خفيفتين لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام ، فليصل ركعتين ) ، متفق عليه ، وزاد مسلم : ( وليوجز فيهما ) .
ثانيا : ليست هناك راتبة قبلية لصلاة الجمعة ، بل يتنفَّل المسلم بما شاء من الصلاة ، حتى يحضر الإمام ، أما النافلة بعد صلاة الجمعة ، فإما أربع أو ركعتان في المسجد أو ركعتان في البيت .
ثالثاً : لا يجوز السفر يوم الجمعة إذا دخل وقتها بزوال الشمس ، لمن يلزمه أداؤها .
رابعاً : لا يجوز جمع صلاة العصر مع الجمعة ؛ لأن الجمعةَ صلاةٌ مستقلةٌ لا يجمع إليها غيرها كالفجر، ومن جعلها بمنزلة الظهر وجوَّز جمع العصر إليها يحتاج إلى دليل خاص ؛ لأن العبادات توقيفية .
ومن دخل الجمعة بنيَّة الظهر وأراد جمع العصر إليها لأنه مسافر لا يلزمه حضور الجمعة فمن أهل العلم لا يرى مانعاً من ذلك ، لكن هو بصنيعه عدََل عن الفاضل - وهو الجمعة - إلى المفضول في حقه - وهو الظهر - على أن من أهل العلم من يرى عدم صحة صلاة من يصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة ؛ لأنه إذا حضر الجمعة لزمته فإذا لزمته لم يصح جمع العصر إليها .
خامساً : روى أبو هريرة رضي الله عنه كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ) .
فاحرص يا عبد الله أن توافق هذه الساعة ، فأكثر فيها من الدعاء لنفسك ، ولإخوانك المسلمين ، فإن واقع الأمة اليوم وإن أحوال المسلمين الآن لهو في أمس الحاجة إلى دعوات صادقات ، تخرج من قلب مخلص ، فلعل من المسلمين من يصادف ساعة إجابة يكون فيها الخير لأمتنا.
سادساً : لا نكن من الذين لا يعرفون يوم الجمعة إلا أنه يوم الراحة الأسبوعية ، ويوم التنـزه ، ويوم العطلة والفراغ ، ويقضى في اللهو واللعب ، وربما في المعاصي والعياذ بالله ، يسهر ليلته وينام نهاره .
سابعاً : يكره تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بصلاة من بين الليالي ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تخصُّوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) رواه مسلم ..
وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال : ( أصُمتِ أمس ) قالت : لا . قال : (( أتريدين أن تصومي غداً ؟ ) قالت : لا ، قال : ( فأفطري ) رواه البخاري .
ثامناً : ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبِّح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية ، وربما قرأ بالجمعة والمنافقون ، وكذلك بالجمعة والغاشية كما جاء في صحيح مسلم .
تاسعاً : لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ في فجر يوم الجمعة ، بسورتي السجدة والإنسان ، وإنما كان يقرأ بهاتين السورتين في فجر الجمعة ، لأنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها ، فإنهما - أي سورتيْ السجدة والإنسان - اشتملتا على خلق آدم ، وعلى ذكر يوم القيامة ، وحشر العباد ، وذلك يكون يوم الجمعة ، ففي قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما يحدث فيه من الأحداث العظام ، حتى نستعد لذلك .
عباد الله أكثروا من الصلاة والسلام وعلى الرسول المصطفى والنبي المجتبى وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك محمد وعلى آل محمد وارض الله على الصحابة أجمعين وخص منهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأمهات المؤمنين .
عبد المجيد بن غيث الغيث