وإذا تأمَّلنا أمره ـ تعالى :( لعلكم تتقون) وهذا هو المقصد الأسمى ،في حكمة مشروعية الصيام. فإنَّ من أعظم العبادات التي يتدرب بها العبد على ممارسة التقوى والتكيف معها هي عبادة الصيام، ولأجل ذلك صار من أعظم الطاعات وأجل القربات
، ويكفي أنَّ العبد المؤمن يشعر بصيامه أنَّه عبد لله حقَّاً، فإنَّ كمال الحرية في تمام العبودية لله ، فلا يأكل الإنسان إلا إذا ابتدأ الوقت الذي بيَّنه الله أنَّه وقت للإفطار ، ولا يصوم إلاَّ إذا ابتدأ وقت الصيام ، فهي عبودية كاملة لله ، وأمانة يؤدِّيها العبد لربِّه ، ولهذا يقول المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ:(إنَّ الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته)
تـزكيـة النفــس:
من مقاصد الصيام الجليلة أنَّّ فيه تزكية للنفس وتنقية لها من الأخلاق الرذيلة ؛ ـ وكما هو معلوم ـ فإنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، إلاَّ أنَّه بالصيام يضعف نفوذه لان الصيام يضيِّق مجاري الشيطان في بدن الإنسان ، فإذا أكل المرء أو شرب انبسطت نفسه للشهوات ، وضعفت إرادتها ، وقلَّت رغبتها في العبادات،
ويقول الإمام الكمال بن الهمام ـ أحد فقهاء الحنفية ـ في فوائد الصوم:(أنَّ الصوم يسكن النفس الأمَّارة بالسوء ويكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج ؛ ولذلك قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء ، وإذا شبعت جاعت كلُّها(
والشاهد هنا أنَّ للصوم تأثيراً كبيراً في دفع الشهوات وكسر حدَّتها ، ولهذا يقول المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(الصوم جُنَّة) أي وقاية من الإثم في الدنيا ، ومن النار في الآخرة
تذكر المحـرومين ومواسـاتهم
من مقاصد الصيام الجليلة أنَّ فيه تجربة لمقاساة الحرمان والجوع ،وتذكُّر الفقراء الذين يقاسون الحرمان أبد الدهر ، فيتذكر العبد إخوانه الفقراء وكيف أنَّهم يعانون الأمرَّين من الجوع والعطش ،
ومن تدبر ذلك هيَّأ قلبه لمواساة الفقراء بالمال والإطعام والتصدق والبذل والجود والإحسان ؛ لأنَّهم إخوانه المؤمنون، وهذا من أعظم التكافل الاجتماعي