فقالت العين:
ظلمتني أولاً وآخراًوبؤت بإثمي باطنا وظاهرا وما انا الا رسولكالداعي إليك ورائدك الدال عليك، فأنت الملك المطاع ونحن الجنود والاتباع، اركبتنيفي حاجتك خيل البريد ثم اقبلت علي بالتهديد والوعيد، فلو أمرتني أن أغلق علي بابيوأرخي علي حجابي لسمعت وأطعت، ولما رعيت في الحمى ورتعت، أرسلتني الى صيد قد نصبتلك حبائله واشراكه واستدارت حولك فخاخه وشباكه، فغدوت أسيرا بعد أن كنت أميراوأصبحت مملوكا بعد أن كنت مليكا .
هذا وقد حكم لي عليك سيد الأنام وأعدل الحكام عليهالصلاة والسلام حيث يقول :" إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدتفسد الجسد كله ألا وهي القلب".
ثم أما علمت أن الله سبحانه قد خص بالفوز والنعيم منأتاه بقلب سليم أي سليم مما سواه، ليس فيه غير حبه واتباع رضاه .
ثم اتبعت العينوقالت:وبين ذنبي وذنبك عند الناس كما بين عماي وعماك في القياس.
وقد قال من بيدهأزمة الأمور (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)الحج-46.
فلما سمعت الكبدتحاورهما الكلام وتناولهما الخصام قالت: أنتماعلى هلاكي تساعدتما وعلى قتلي تعاونتما ولقد أنصف من حكى مناظرتكما وعلى لسانيمتظلما منكما:
يقول طرفي لقلبي هجت لي سقما والعين تزعم أن القلب أنكـــــاها
والجسم يشــــهد أن العين كاذبــة وهي التي هيجت للقلببلواها
لولا العيون وما يجنين من ســـقم ما كنت مطرحا من بعض قتلاها
فقـــالت الكبدالمظـلومة اتئــداقطـعتماني وما راقبـتما الله
ثم قالت: أنا أتولى الحكم بينكما ، أنتما في البلية شريكا عنان،كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان، فالعين تلتذ والقلب يتمنى ويشتهي ولهذا قالفيكما القائل:
ولما سلوت الحب بشر ناظري لقلبي فقال القـلب لي ولكالـهنا
تخلصت من إحياء ليلك ساهرا وخلصتني من لوعة الهجر والضنا
كلانا مُهنّأ بالبقاء فإن تــعد فلا أنتيبـــقيك الغرام ولا أنا
وإن لم تدرككما عناية مقلب القلوب والأبصار، والا فما لك من قرةولا للقلب من قرار ، قال الشاعر:
فوالله ما ادري نفسي الومها - على الحب أم عيني المشومة أم قلبي
فإن لمت قلبي قال لي العين ابصرت - وإن لمت عيني قالت الذنبللقلب
فعيني وقلبي قد تقاسمتما دمي - فيا رب كن عونا على العين والقلب
ثم ختمت الكبدبقولها: والحاكم بينكما الذي يحكم بين الروحوالجسد اذا اختصما بين يديه فإن في الأثر المشهور: لا تزال الخصومة يوم القيامة بينالخلائق حتى تختصم الروح والجسد فيقول الجسد للروح: أنت التي حركتني وأمرتنيوصرفتني، والا فأنا لم أكن أتحرك ولا أفعل بدونك، فتقول الروح له : وأنت الذي أكلتوشربت وباشرت وتنعمت فأنت الذي تستحق العقوبة فيرسل الله سبحانه اليهما ملكا يحكمبينهما فيقول : مثلكما مثل مقعد بصير وأعمى يمشي دخلا بستانا فقال المقعد للأعمى: أنا أرى ما فيه من الثمار ولكن لا أستطيع القيام وقال الأعمى: أنا أستطيع القيامولكن لا أبصر شيئا فقال له المقعد: تعال فاحملني فأنت تمشي وأنا أتناول فعلى منتكون العقوبة؟ فيقول عليهما، قالت الكبد: فكذلك أنتما".
·فمهما اختلف الزمان وتغير المكان فيظل الانسان هو الانسان لافارق بين الاناث والذكران، فقد اودع الله في كل منهما الغريزة والميلان، ان هماضبطاها وهذباها كانا كملائكة الرحمن، وان أطلقا لها العنان كانا أسوأ من الشيطان،ومصيرهما النيران ،فلا تقل هي ولا تقولي هو بل قولا كما قال آدم وحواء (ربنا ظلمناأنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
المصدر
كتاب (روضة المحبين ونزهة المشتاقين)شيخ الاسلام ابن قيم الجوزية
موقع اشراقةمن مقال( من أغلى ... حديقتي أم زوجتي) بقلم الشيخ كمال خطيب