وقيل: المراد بقوله تعالى﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ ﴾: التعميم. أي: لا يقدرون في الدنيا والآخرة على شيء مما كسبوا. ويؤيده ما ورد في الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله إن ابن جدعان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، هل ذلك نافعة؟ قال:” لا ينفعه؛ لأنه لم يقل: ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين“.
وقال تعالى في البقرة:
﴿ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ﴾(البقرة:264)، وقال هنا:
﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ﴾
فقدَّم﴿ عَلَى شَيْءٍ ﴾ في الأول، وأخرَّه في الثاني، لأهمية كل منهما في آيته؛ وذلك ظاهر لمن له أدنى بصيرة.
وقال تعالى:﴿ مِمَّا كَسَبُوا ﴾، فعبَّر عن العمل بـالكسب؛ لأن كسب الرجل هو عمله، وعمله هو كسبه. روي أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:” أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده “، فعبر عن كسب الرجل بعمله.
والكسب- كما قال الراغب في مفردات القرآن- هو ما يتحرَّاه الإنسان، ممَّا فيه اجتلاب نفع، وتحصيل حظٍّ؛ كاكتساب المال. وقد يستعمل فيما يظنُّ الإنسان أنه يجلب منفعة، ثم استُجلِب به مضرَّة.
أما قوله تعالى:﴿ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾فهو إشارة إلى ضلالهم. أي: ما دل عليه التمثيل دلالة واضحة، من ضلالهم، مع حسبانهم أنهم على شيء، هو الضلال البعيد عن طريق الحق والصواب. وهو تعقيب يتفق ظله مع ظل الرماد المتطاير في يوم عاصف إلى بعيد؛ حيث يستحيل العثور على شيء منه !!
وفي وصف الضلال بالبعيد إشارة إلى كفرهم؛ وهو كقوله تعالى في الآية الثانية والثالثة من سورة إبراهيم:
﴿ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾(إبراهيم:2-3)
والضلال هوالعدول عن الطريق المستقيم، والمنهج القويم؛ عمدًا كان، أوسهوًا. قليلاً كان، أو كثيرًا، ويضادُّه الهدى. فإذا كان عن عمد وقصد- وإن كان قليلاً- فهو كفر، وحينئذ يوصف بالبعيد.. تأمل ذلك في القرآن، تجده على ما ذكرنا، إن شاء الله!
محمد إسماعيل عتوك