ومن جهة أخرى ، يحرص سمو الأمير أشد الحرص على تقديم المساعدات إلى المسلمين في شتى أرجاء العالم ، وخاصة في مجال بناء المساجد والمدارس والمستشفيات ودور الأيتام وغيرها من المشروعات التي تعود بالنفع على المسلمين.
كما يبدي رحمه الله تعاطفا شديدا مع قضايا المسلمين في العالم ، حيث يحرص على اللقاء بالأقليات والمنظمات الإسلامية في الدول الغربية أثناء مهماته الرسمية لهذه الدول ، والاستماع إلى مشكلاتهم وتفهم أوضاعهم وتقديم المساعدة في ما يحتاجون إليه ، وبخاصة أولئك المسلمين الساعين لنيل حريتهم واستقلالهم كما حصل في البوسنة والهرسك.
وعندما نأتي إلى الحديث عن الأسرة الدولية نجد أن المغفور له لم يكن أقل نشاطا واهتماما بهذا الجانب الذي يشمل التعاون مع دول العالم من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة والقمم الدولية المتخصصة ، والتي يحرص سموه على حضور اجتماعاتها من منطلق أنه مكان تجتمع فيه الدول على قدم المساواة ، وتسعى متآزرة لإقامة الحق والعدل ، والحفاظ على النظام والأمن العالميين ، وتحقيق الخير والسلام لشعوب الأرض.
ولا غرابة في ذلك ، فقد أثبتت الأمم المتحدة دورها البارز إبان أزمة الكويت وما اتخذه مجلس الأمن من قرارات إعادة الحق الكويتي والشرعية الكويتية إلى سابق عهدها ، وقد أشاد المغفور له بهذا الموقف الحازم للأمم المتحدة ، حيث أكد رحمه الله في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال دورتها السادسة والأربعين أن " ..... هذا الصنيع لهو النذير لكل من تسول له نفسه أن يبطش بالآخرين تحقيقا لطموح زائف أو إرضاء لنزوة جامحة ، إن الأمم المتحدة له بالمرصاد .......".
وفي ظل النظام الدولي الجديد الذي تحددت معالمه إثر أزمة الكويت لا يمكن أن تنعم منطقة الشرق الأوسط بالأمن والاستقرار ، ما لم تحل قضية فلسطين ولبنان الشقيق حيث يقول رحمه الله مخاطبا الأمم المتحدة ...... " لقد تحددت من خلال تجربة الكويت المعالم الواضحة لنظام دولي جديد يقوم على الشرعية واحترام سيادة الدول ، والقضية الفلسطينية في ضوء هذا النظام يجب إيجاد حل عاجل لها ، متمثل في تنفيذ قرارات مجلس الأمن كاملة ، توضع بمقتضاها نهاية مشرفة لمأساة الشعب الفلسطيني ، وإنما لنأمل أن تلقى الجهود المبذولة الآن لعقد مؤتمر للسلام النجاح والتوفيق وتحقيق الهدف المشهود ، والأمر نفسه ينطبق على لبنان الشقيق الذي يحتاج منا جميعا إلى الوقوف بجانبه لتحقيق الاستقرار فيه والعمل الصادق على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الصادرة بشأنه.
هذا ، ونتيجة للموقف الحازم للأمم المتحدة ، فإن العراق الذي كان يماطل في ترسيم حدوده مع الكويت والذي يصر على اعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة اضطر أخيرا إلى الاعتراف الرسمي الموثق بسيادة الكويت واستقلالها ، وبحدودها معه كما أقرتها اللجنة الدولية المنبثقة عن مجلس الأمن ، وإنه سيضطر لاحقا إلى استكمال تنفيذ سائر القرارت الدولية المتعلقة بحرب تحرير الكويت ، وضمانا لعدم تكرار المغامرة العراقية التي وقف العالم بأسره ضدها ، فقد وقعت دولة الكويت اتفاقيات دفاعية مع كل من واشنطن ولندن وباريس وموسكو والصين.
ومن أجل المزيد من التلاحم والتعاون مع الأسرة الدولية ، كان للمغفور له الكثير من المشاركات الخارجية على مستوى العالم من قمم ومؤتمرات ترك خلالها بصمات واضحة المعالم سجلت لصالح الكويت ..... مـن هـذه المشاركات :
في 12/6/1992م شهد رحمه الله افتتاح قمة الأرض التي بدأت أعمالها في "ريو دي جانيرو " حيث شارك فيها 106 من زعماء العالم ، وكان رحمه الله الزعيم العربي الوحيد الذي يحضر القمة.
وقد ألقى رحمه الله كلمة الكويت في المؤتمر دعا فيها سموه لإيجاد كوكب نظيف وصحي يستطيع بنو الإنسان العيش فيه وتأمين مستقبل أجيالهم المقبلة ، مؤكدا استعداد الكويت للإسهام بشكل فعال في كل ما يعود على الإنسان بالخير والرفاه ، والتعاون مع المجتمع الدولي من أجل الوصول إلى الغايات النبيلة والداعية لتحقيق حلم الإنسان المعاصر في إيجاد بيئة صحية مستقرة، كما تحدث سموه عن الكارثة البيئية الكبرى التي عرفها العصر الحديث وذلك بإشعال النيران وتفجير 792 بئر نفط كويتي ، وسكب الملايين من براميل النفط في مياه الخليج ، ودعا رحمه الله في هذا المؤتمر إلى إصدار تشريعات تعتبر التدمير المتعمد للبيئة جريمة ضد الإنسانية ، مشيرا إلى توقيع الكويت على الاتفاقية الخاصة للتنوع الحيوي ، كما دعا رحمه الله إلى البحث عن مسببات الفساد البيئي المختلفة.
في 2/12/1992م تبنى مؤتمر قمة عدم الانحياز في دورته العاشرة في العاصمة الإندونيسية "جاكرتا" المبادرة التي سبق للمغفور له باذن الله أن طرحها أمام الأمم المتحدة عام 1988م وحدد طرحه عام 1990م الذي دعا فيه المجتمع الدولي إلى إعادة جدولة ديون بعض الدول وإسقاط الفوائد وأصول القروض عن الدول المعدمة ، وقد تصدرت هذه القضية مناقشات المؤتمر وتم بالفعل مناقشة خطة لجدولة هذه الديون في اللجان المختصة.
في 11/3/1995م حضر المغفور له أعمال القمة العالمية للتنمية الاجتماعية التي عقدت في العاصمة الدانمركية "كوبنهاجن" وناقشت عددا من القضايا المتعلقة بالإسراع بخطوات التنمية الاجتماعية في العالم والحد من الفقر والبطالة ، وقد ألقى رحمه الله كلمة أمام القمة أوضح فيها حرص الكويت على مد يد العون والمساعدة إلى سائر دول العالم مشيرا إلى أن حجم القروض الكويتية إلى سائر دول العالم تبلغ 8 بلايين دولار.
وأكد رحمه الله أمام قمة كوبنهاجن رفض الكويت أميرا وحكومة وشعبا القهر والإذلال الذي يمارس على الأسرى والمرتهنين أينما كانوا ومهما كانت الأسباب والدواعي الرامية إلى احتجازهم.
وقد وزع الوفد المرافق لسموه على رؤساء وأعضاء الوفود المشاركة كتابا يروي تجربة الكويت مع التنمية الاجتماعية ونبذة عن نشاط الكويت الاقتصادي في مرحلة ما قبل النفط علاوة على سياسة الكويت في مواجهة القوى العالمية وحدودها مع جيرانها وأسس الحكم في الكويت الذي يعتمد الديمقراطية والشورى أساسا له.
وتتصدر الكتاب مقدمة للمغفور له الشيخ جابر الأحمد -طيب الله ثراه- اشتملت على عرض موجز للكتاب ومضمونه حيث يقول رحمه الله :
" .... يهدف هذا الكتاب إلى تقديم صورة شاملة لعملية التنمية الاجتماعية في الكويت نتعرف من خلالها على الأصول التي استمدت منها الكويت كيانها وتميزها وطابعها الإنساني ، وكانت القوى الدافعة وراء إنجازاتها المعبرة عن الجهود المتلاحمة لقيادتها وشعبـهـــا والروح الملهمة لصمودها وثباتها ، فلم يستطيع العدوان العراقي أن يخضع لإرادتها أو يمحو هويتها ، أو يجد بين صفوفها من يفرط في ذرة من ترابها وحقوقها وتصدت لمقاومته في ثبات وإصرار ............ "
ويضيف رحمه الله في تقديمه للكتاب " ...... أن الكويت تتطلع إلى نتائج المؤتمر الذي يعبر عن إرادة عالم عانى كثيرا من أحلام الطغاة ، تلك الأحلام التي صنعت الحروب واسـتـنــزفت موارد الأمم وطاقاتها ، كما عانى من الإنسانية التي انتشرت معها صور من البؤس والفقر ، أهدرت آدمية الإنسان في عالم يكابد تدهور القيم والمثل التي تمنح الحياة الإنسانية قيمتها وكرامتها ........... "
في 24/10/1995م شارك رحمه الله في الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس الأمم المتحدة ، حيث ألقى سموه كلمة الكويت التي بدأها بتقديم الشكر لهذه المنظمة الدولية بإسمه وبإسم شعب الكويت على ما قدمته لدولة الكويت من مساندة ضد العدوان ، متمنيا أن تستمر هذه المساندة حتى يتم تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن وبخاصة ما يتعلق بالأسرى الكويتيين وغيرهم الذين يمثل احتجازهم في السجون العراقية مأساة إنسانية.
وبهذه المناسبة قام الديوان الأميري بإصدار مجموعة من ثلاث كتب تحكي " للتاريخ " أحداثا مهمة في مسيرة الكويت الحديثة ، ترجمت إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والروسية والصينية.
ومما يعطي لهذه المجموعة وزنها أنها اعتمدت في حكايتها "للتاريخ" على الموضوعية التامة والحقائق المجردة المحايدة المدعمة وثائقيا ، مع تجنب تام لأي نفاق دعائي أو جنوح إلى مبالغات لا تتفق مع الحقيقة والواقع.
وقد تشرفت هذه المجموعة من الكتب الثلاثة بتقديم من المغفور له الشيخ جابر الأحمد -طيب الله ثراه- ، الأمر الذي يمثل توكيدا على أهمية وقيمة ما تطرحه هذه المجموعة من موضوعات ، ومما طرحه سموه في هذا التقديم دعوته إلى العالم أجمع " ..... وبعد فإننا في هذه المناسبة العظيمة الرائعة الاحتفال بالعيد الخمسين للأمم المتحدة نتقدم إلى شعوب هذه الأرض جميعهم بالتهنئة بهذه المناسبة الغالية على نفس كل إنسان شريف ، راجين من كافة شعوب هذا الكوكب أن يلتفوا حول هذه المنظمة الدولية ، ويساندوها بكل ما أوتوا من قوة ، ويبذلوا كل ما في وسعهم من طاقات مادية ومعنوية في سبيل تدعيمها وترسيخ جذورها وقواعدها ، وأن يتمسكوا بأهداف ميثاقها ، ويعملوا في إصرار على تحقيق تلك الأهداف ، بل وأن ينشدوا المزيد منها ، حتى تتحقق الآمال والأحلام في أن يصبح هذا العالم وحدة واحدة وكيانا واحدا ، لا مجال فيه لصراع بين دولة وأخرى ، أو نزاع إقليمي أو حدودي ، أو نزاعات وتعصبات عرقية أو دينية ، ولا وجود فيه لاعتداء دولة على أخرى وانتهاك حرماتها والعبث بمقدراتها ....... ".
المـــصدر : الديوان الأميري - دولة الكويت
التعديل الأخير تم بواسطة مافي مني ; 2007-01-27 الساعة 5:26 PM.
|