
توصل علماء الفلك أن الكون كله كان مركزاً في كتلة صغيرة بحجم البيضة تم تسميتها بالبيضة الكونية ثم أنفجر هذا الكون لينتج عنه هذا الكون الفسيح وهذا أقرب ما يكون للتفسير القرآني لنشأة الكون
ونحو ذلك قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام:﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِن ﴾(البقرة:260).
أي: قد ثبت إيمانك بإحياء الموتى، فلمَ تسأل ؟ مشيرًا بذلك إلى قوله:﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى ﴾(البقرة:260) ؟ فأنكر سبحانه وتعالى عليه سؤاله عن كيفية الإحياء؛ ولهذا أجاب إبراهيم عليه السلام بقوله:﴿ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾(البقرة:260).
وهذا الاستفهام لا يجوز حمله على استفهام التقرير، لما ذكرنا من أن التقرير هو حمْل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد علمه، واستقرَّ عنده، ثم جحد به عنادًا واستكبارًا. يبين ذلك قوله تعالى:
﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾(النمل:14).
ويؤكِّد العلماء المعاصرون من الكفار خاصة في أبحاثهم على أن الكون كله كان شيئًا واحدًا متصلاً من غاز، ثم انقسم إلى سَدائمَ، وأن عالمَنا الشمسي كان نتيجة لتلك الانقسامات. والسَّدائمُ جمع سَديمٍ، يراد به السحب، ويطلق فَلَكِيًّا على مجموعة هائلة من النجوم.
ويؤيدون أقوالهم بأنهم استدلوا على أن الشمس تتألف من سبعة وستين عنصرًا من عناصر الأرض، وأن عناصر الأرض تبلغ اثنين وتسعين عنصرًا، وسيزيد المستدل عليه من العناصر في الشمس، إذا ما ذللت الصعوبات، التي تقوم في هذا الشأن. ومن هذه العناصر: الهيدروجين، والهليوم والكربون، والآزوت، والأوكسجين، والفسفور، والحديد.. الخ.
وقد استدلوا على ذلك كله بالتحليل الطيفي؛ وهو الذي يستدل به الكيمّاويون اليوم في معاملهم، على ما تحتويه المواد الأرضية من عناصر، يكشفون عن نوعها ومقدارها. فالعناصر، التي في الشمس هي عينها في الأرض، والشمس نجم، يتمثل فيه سائر النجوم, والنجوم هي الكون. وهذا يعني: أن العناصر، التي بُنِيَ فيها الكون على اختلافها هي عناصر واحدة.. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن النيازك هي الأشياء الملموسة الوحيدة، التي حصل عليها العلم من الفضاء الخارجي؛ فقد لاحظ العلماء أن أكثر العناصر شيوعًا في الأرض هي العناصر الشائعة في النيازك الحجرية.
وأما الحقيقة الثانية- وهي سِرُّ الحياة- فقد أشار إليها الشق الثاني من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾. أي: أوجدنا من الماء كل شيء حيٍّ، وكوَّناه بقدرتنا.
وقال تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا ﴾، ولم يقل:﴿ خَلَقْنَا ﴾؛ لأن{ جَعَلَ } لفظ عام في الأفعال. ولمَّا كان قوله تعالى:﴿ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ مرادًا به عموم المخلوقات، ناسب التعبير عنه بفعل يدلُّ على العموم.
وقال تعالى- هنا-:﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾، وقال في سورة النور:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء ﴾(النور:45)، فعرَّف لفظ ﴿ الْمَاء ﴾ في الأول، ونكَّره في الثاني.
أما تعريفه في الأول فلأن المعنى: أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس، الذي هو الماء، فجاء ذِكْرُ الماءِ- هنا- معرَّفًا بأل الجنسية؛ ليشمل أجناس المخلوقات المختلفة الأنواع.
وأما تنكيره في الثاني فلأن المعنى: أن الله سبحانه خلق كل دابة من نوع مخصوص من الماء؛ وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات، بحسب اختلاف نطفها: فمنها هوامٌ، ومنها ناسٌ، ومنها بهائمٌ..
﴿ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ﴾(النور:45).
وتحرير الفرق بين القولين: أن الغرض من الأول إظهار الآية بأن أشياء متفقة في جنس الحياة، قد تكونت بالقدرة من جنس الماء المختلف الأنواع.
أما الغرض من الثاني فهو إظهار الآية بأن شيئًا واحدًا، قد تكونت منه بالقدرة أشياء مختلفة.. فتأمل أسرار الله تعالى في خلقه، وفي كلامه، الذي سجد لبلاغته وفصاحته البلغاء والفصحاء.
محمد إسماعيل عتوك