وأختم بذكر بعض البدع التي أُحدثت في هذا اليوم مما ذكر أكثره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه .
فقد ذهب بعض العلماء إلى استحباب قيام ليلة عاشوراء ولا أعلم لهم دليلا على ذلك بل هي ليلة كسائر الليالي فمن كانت عادته قيام الليل قامها وإلا فلا يخصها بصلاة . انظر :مطالب أولي النهى 1/581 ومن البدع كذلك الاجتماع للصلاة هذه الليلة فتجتمع بدعتان . انظر : منح الجليل 1/345 مواهب الجليل 1/73 ومنها ما يُروى أنه من صلى ركعتين في يوم عاشوراء يقرأ فيهما بكذا وكذا كتب له ثواب سبعين نبيا قال ابن تيمية رحمه الله تعالى " هو عند أهل الحديث من الأحاديث الموضوعة " ا.هـ درء التعارض 1/150
ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية – رحمه الله تعالى- بقوله : ( وصار الشيطان بسبب قتل الحسين – رضي الله عنه- يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاد المراثي، وما يُفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب... وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم-) ا.هـ منهاج السنة (4/544) وقال رحمه الله تعالى : " النوع الثالث ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة وليلة الجمعة ويومها والعشر الأول من المحرم ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة وتوابع ذلك ما يصير منكرا ينهى عنه مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء في يوم عاشوراء من التعطش والتحزن والتجمع وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله ولا رسوله ولا أحد من السلف لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من غيرهم لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه أحد سيدي شباب أهل الجنة وطائفة من أهل بيته بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله وكانت هذه مصيبة عند المسلمين يجب أن تتلقى به أمثالها من المصائب من الاسترجاع المشروع فأحدث بعض أهل البدع في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في الصحابة البرآء من فتنة الحسين وغيرها أمورا أخرى مما يكرهها الله ورسوله وقد روي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث لها استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثلها يوم أصيب ) رواه الإمام أحمد وابن ماجه فتدبر كيف روى مثل هذا الحديث الحسين بن علي رضي الله عنهما وعن بنته التي شهدت مصابه وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مأتما فليس هذا من دين المسلمين بل هو إلى دين الجاهلية أقرب ثم هم قد فوتوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل.
وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها مثل فضل الاغتسال فيه أو التكحل أو المصافحة وهذه الأشياء ونحوها من الأمور المبتدعة كلها مكروهة. وإنما المستحب صومه .
وقد روى في التوسع فيه على العيال آثار معروفة أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال بلغنا أنه " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته " رواه ابن عيينة وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت للعصبية بين الناصبة والرافضة فإن هؤلاء أعدوا يوم عاشوراء مأتما فوضع أولئك فيه آثارا تقتضي التوسع فيه واتخاذه عيدا وكلاهما باطل وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سيكون في ثقيف كذاب ومبير " فكان الكذاب المختار بن أبي عبيد وكان يتشيع وينتصر للحسين ثم أظهر الكذب والافتراء على الله وكان فيها الحجاج بن يوسف وكان فيه انحراف على علي وشيعته وكان مبيرا وهؤلاء فيهم بدع وضلال وأولئك فيهم بدع وضلال وإن كانت الشيعة أكثر كذبا وأسوأ حالا لكن لا يجوز لأحد أن يغير شيئا من الشريعة لأجل أحد وإظهار الفرح والسرور , يوم عاشوراء وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة المقابلة للرافضة وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه من الاغتسال والاكتحال وغير ذلك وصححها بعض الناس كابن ناصر وغيره ليس فيها ما يصح لكن رويت لأناس اعتقدوا صحتها فعملوا بها ولم يعلموا أنها كذب فهذا مثل هذا وقد يكون سبب الغلو في تعظيمه من بعض المنتسبة لمقابلة الروافض فإن الشيطان قصده أن يحرف الخلق عن الصراط المستقيم ولا يبالي إلى أي الشقين صاروا فينبغي أن يجتنب هذه المحدثات " ا.هـ اقتضاء الصراط المستقيم 1/299-301 وانظر : الفتاوى 13/354 وذكر رحمه الله أنه قد قابل قوم فعل الرافضة بفعل مضاد له، وهو جعل هذا اليوم يوم فرح وسرور وطبخ للأطعمة والتوسيع على العيال ، فقابلوا الفاسد بالفاسد ، والكذب بالكذب ، والشر بالشر ، والبدعة بالبدعة ، فوضعوا الآثار مقابل ما وضعها الرافضة. انظر: فتاوى ابن تيمية – رحمه الله تعالى- (25/310) ومما قاله ابن تيمية رحمه الله تعالى :" وقوم من المتسننة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعارا في هذا اليوم يعارضون به شعار ذلك القوم فقابلوا باطلا بباطل وردوا بدعة ببدعة وان كانت أحداهما أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد مثل الحديث الطويل الذي روى فيه من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام وأمثال ذلك من الخضاب يوم عاشوراء والمصافحة فيه ونحو ذلك فان هذا الحديث ونحوه كذب مخلق باتفاق من يعرف علم الحديث وان كان قد ذكره بعض أهل الحديث وقال انه صحيح وإسناده على شرط الصحيح فهذا من الغلط الذي لا ريب فيه كما هو مبين في غير هذا الموضع ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم " ا.هـ الفتاوى 4/512
وفي البخاري (، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ليس منَّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".
قال ابن رجب – رحمه الله تعالى-: (أما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين – رضي الله عنه-، فهو من عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ولم يأمر الله ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم- باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم ) ا.هـ (لطائف المعارف /13)،
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن والطائفتان مبتدعتان خارجتان على السنة وأهل السنة يفعلون فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع " ا.هـ نقد المنقول /101
أما حديث "مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" فقد رواه البيهقي في الشعب (3/365) والطبراني في المعجم الأوسط (9302)، والكبير (10007) قال حرب: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث ؟ فقال: لا أصل له وليس له إسناد يثبت. منهاج السنة (4/555)، وقال شيخ الإسلام: (حديث موضوع مكذوب) ا.هـ الفتاوى (25/300). وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " ومنها أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء والتزين والتوسعة والصلاة فيه وغير ذلك من فضائله لا يصح منها شيء ولا حديث واحد ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء غير أحاديث صيامه وما عداها فباطل وأمثل ما فيها حديث من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال الإمام أحمد لا يصح هذا الحديث وأما أحاديث الاكتحال والادهان والتطيب فمن وضع الكذابين " ا.هـ نقد المنقول /101
والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
الموضوع ايه
صح
ملطوش