المناقشة:
عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة، فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة. متفق عليه. وحدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فأقام بمكة ثلاث عشرة وبالمدينة عشراً وتوفي وهو ابن ثلاث وستين قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ و حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أنَسًا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح .
لقد كانت مدة نزول القراّن الكريم ثلاثاً وعشرين سنة، لأن مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة كان ثلاث عشرة سنة إتفاقاً ومقامه في المدينة عشر سنوات على أشهر الروايات (علوم القراّن/71). علوم القراّن- مدخل إلى تفسير القراّن وبيان إعجازه- الدكتور عدنان محمد زرزور- رئيس قسم العقائد والأديان بكلية الشريعة وأستاذ التفسير والحديث بكلية الآداب جامعة دمشق. المكتب الإسلامي - الطبعة الأولى- 1401ه-1981م.
وابتدأ هذا الإنزال من مبعثه عليه الصلاة والسلام وانتهى بقرب انتهاء حياته الشريفة. وتقدر هذه المدة بعشرين أو ثلاثة وعشرين أو خمسة وعشرين عاماً تبعاً للخلاف فى مدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة بعد البعثة، أكانت عشر سنين أو ثلاث عشرة أم خمس عشرة سنة. أما مدة إقامته بالمدينة فعشر سنين إتفاقاً كذلك قال السيوطي. مناهل العرفان (1/46) مما لا يكاد يخفي على أحد فإن الكتب المتقدمة لم يكن شاهد صحتها ودليل كونها من عند الله تعالى إعجازها وأما القرآن الكريم فبينة صحته آية كونه من عند الله تعالى نظمه المعجز الباقي على مر الدهور المتحقق في كل جزء من أجزائه المرقدة بمقدار أقصر السور حسبما وقع به التحدي ولا ريب في أن ما يدور عليه فلك الإعجاز هو المطابقة لما تقتضيه تفسير أبو السعود 6/215 فإن قيل: ما السر في نزول القراّن الكريم منجماً؟ وهل أنزل كسائر الكتب جملة؟ تهذيب وترتيب الإتقان في علوم القراّن، الإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى، بقلم محمد بن عمر بن سالم بازمول، الطبعة الأولى 1412ه-1992م، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية.
أجيب بأن لنزول القراّن منجماً حكماً عديدة منها: أولا: تثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: تيسير حفظه وفهمه. ثالثاً: مسايرة الحوادث. رابعاً: التدرج فى التشريع وتربية الأمة. خامساً:إستمرار التحدي. سادساً:الدلالة على مصدر القراّن وأنه من عند الله وليس في قدرة البشر. دراسات في علوم القراّن-اد/ فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الروحي أستاذ الدراسات القرآنية كلية المعلمين بالرياض. مكتبة التوبة-1416ه .
وهذا الجانب الأخير؛ أي الدلالة على مصدر القراّن الكريم وأنه من عند الله وليس في قدرة البشر؛ هو الهدف من هذه الدراسة التطبيقية على جانب واحد من جوانب لا تنتهي من إعجاز القراّن الكريم. إن دراسة الآيات المتعلقة بعلم الأجنة تظهر صورة الإعجاز المبهر في كل جانب من مفرداتها عند دراستها كلُّ على حدة. كما تظهر إعجازاً فوق إعجاز حين نجد هذه الآيات قد تنزلت على مدار نحو ثلاث وعشرين سنة في ظروف مختلفة وسياقات متنوعة. ولم تتعارض أياً من هذه المعاني فى السياقات المختلفة مع أي من مثيلاتها على امتداد زمن التنزيل. وهذه معجزة وضع ضابطها القراّن الكريم في قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82. ثم تأتي المعجزة التالية أن هذه الآيات ليست فقط لا تتعارض وإنما هي تتكامل لتتشكل من مفرداتها قصة علمية متكاملة الأركان متينة البنيان. فلو أن القراّن الكريم قد نزل فيه اّية واحدة فى مجال علم الأجنة لكفت ولكنه أنزل آيات عديدة. ولو أن هذه الآيات نزلت في موضع واحد من سورة واحدة لكفت ولكن سيكون التحدي تحدياً واحداً لقوله تعالى فى سورة البقرة {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }البقرة23 ولقوله تعالى فى سورة يونس {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }يونس38. فبتعدد السور التي نزلت بها آيات خلق الجنين يتكرر التحدي وذلك أحد أسباب تنجيم آيات القراّن الكريم كما ورد في كتب الأصول (دراسات). ومما يزيد الإعجاز في هذا الأمر روعة بعد روعة أن الآيات لم تنزل متتابعة فى أحداثها على مدار زمن التنزيل، وإنما نزلت متناثرة لا ترتبط بتتابع زمن التنزيل ولا حتى بترتيب المصحف على صورته النهائية. ولكنها بقيت منثورة فى ثناياه حتى زمن العلم حين ثبت بالدليل العلمي القطعي تطابق ما جاء في كتاب الله مع حقائق العلم. فلو حدث أن وافق قول لبشر أحد حقائق العلم لأدى مدعى أن ذلك حدث اتفاقا بدون قصد ومع ما في ذلك الإدعاء من جور، إلا أن هذا المدى لا يمكن أن يكرر دعواه إذا لم يكن ذلك قولاً واحداً بل أقوالٌ كثيرة ورغم أن هذه الأقوال فى حقيقتها تتآلف إلا أنها نزلت متناثرة غير مرتبة على مدار نحو ثلاثٍ وعشرين سنة وهو ما يجزم مرة بعد مرة بمعجزة هذا التنزيل ولا يترك احتمال الشك لشّاك أو الريبة لمرتاب. ولو أردنا إضافة معجزة أخرى للتحدي فماذا يقول المرتاب لو ذكرنا له أن أبواباً من هذا الإعجاز في خلق الجنين قد جاءت بسياقٍ اّخر غير سياق القراّن الكريم ولغة أخرى غير لغة القراّن الكريم وذلك فى الأحاديث الصحيحة الثابته عن رسول الله صلى الله عليه ونكتفي هنا بحديثين :
الأول: عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقال: (ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء). رواه مسلم فى النكاح(2/1063).
والثانى:عنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا...) (متفق عليه) إن العلم الحديث قد أثبت أن لكل فرد أسلوبه اللفظي المميز الذي ينفرد به عن الآخرين حتى يمكن من خلال البرامج الحديثة إثبات زيف نسب أحد الكتب لكاتب معين نظراً للإختلاف البين فى الأسلوب. إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يحمل هو الآخر إعجازاً علمياً رائعاً مع اختلافه البين في الأسلوب لهو دليل صدقٍ يضاف إلى ماسبق من أدلة.
وأختم بكلام نفيس لفضيلة الشيخ/ محمد عبد العظيم الزرقاني
(إننا نلمح هنا سراً جديداً من أسرار الإعجاز ونشهد سمة فذة من سمات الربوبية ونقرأ دليلاً ساطعاً من مصدر القراّن وأنه كلام الواحد الديان " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا" وإلا فحثنى بربك- كيف تستطيع أنت أم كيف يستطيع الخلق جميعاً أن يأتوا بكتابٍ محكم الاتصال والترابط، متين النسج والسرد، متآلف البدايات والنهايات مع خضوعه فى التأليف لعوامل خارجية عن مقدور البشر وهى وقائع الزمن وأحداثه التى يجيئ كل جزء من أجزاء هذا الكتاب تبعاً لها ومتحثاً عنها، سبباً بعد سبب، وداعية إثر داعية، مع إختلاف ما بين هذه الدواعى، وتغاير ما بين هذه الأسباب، ومع تراخى زمان هذا التأليف، وتطاول اّماد هذه النجوم إلى أكثر من عشرين عاماً. لا ريب أن هذا الانفصال الزمانى، وذلك الاختلاف الملحوظ بين تلك الدواعي يستلزمان فى العادة التفكك والانحلال، ولا يدعان مجالاً للارتباط والاتصال بين نجوم هذا الكلام.)
(مناهل العرفان فى علوم القراّن- الشيخ/ محمد عبد العظيم الزرقانى- دار الكتاب العربى- بيروت- الطبعة الأولى-ج1/60-62).