عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2007-01-16, 3:09 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
قال عبد الله بن رواحة مشجعاً الناس ، وداعياً إلى عدم التردد في القتال :
يا قوم إنَّ الذي تكرهون هو الذي من أجله خرجتم ..
إما النصر ..
وإما الشهادة ..
ونحن لا نقاتل الناس بعدد ، ولا قوة ، ولا كثره ..
ما نقاتلهم بهذا الدين الذي أعزنا وأكرمنا الله به ..
والله ..
لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان ..
ويوم أحد فرس واحد ..
فانطلقوا بنا فإنما هي إحدى الحسنيين ..
إما ظهور عليهم ..
فذلك الذي وعدنا نبينا ، وليس لوعده خلف ..
وإما الشهادة ..
فلنلحق بالأخوان نرافقهم في الجنان ..
فأثّرت تلك الكلمات البليغه في نفوس الجيش..
واشتاقت القلوب والأرواح لجنة الرحمن..
انطلقوا وهم يرددون :

أرواحنا يا ربي فوق أكفنا
ترجوا ثوابك مغنماً وجوارا

على أرض " مؤته " في بلاد الشام التقى الجيشان ..
فريق مسلم لا يتجاوز ال( 3000 ) الثلاثة آلاف..
وفريق كافر تعداده أكثر من ( 200000 ) مئتي ألف من الكفار ..
وضع قادة الجيش في حسابهم أنَّ الجيش الروماني قد يلجأ إلى أسلوب التطويق فعددهم يسمح بذلك ..
حينها ..
إما يُباد الجيش عن بكرة أبيه ..
أو سيُجبرون على الاستسلام ..
أحبتي ..
في حساب المقاييس الحربية العادية ليس من الصعب على ( 20000) مئتي ألف مقاتل مُجهزون أحسن تجهيز، ومُسلحون بأحسن سلاح أن يقوموا بتطويق ( 3000 ) آلاف وإبادتهم عن آخرهم ، ولن يستغرق ذلك إلا ساعات معدوده ..
تأمل رعاك الله ..
تأمل بارك الله فيك ..
في عدد ، وعدة الجيش الكافر ..
( 50000 ) خمسون ألف فارس يتبعهم (15000 ) مئة وخمسون ألف مقاتل من المشاة يتسربلون بأحسن الدروع ، ويلبسون أحسن الخوذات ..
من أجل ذلك ، وقياساً لكل الحسابات والاعتبارات انحاز زيد رضي الله عنه بجيشه الصغير إلى قريه يقال لها " مؤته " ..
وعسكر فيها ليجنب جيشه الصغير خطر التطويق والإباده ..
فتحصَّن المسلمون في قرية " مؤته "..
وقام زيد بتعبية الجيش وتقسيمه ..
وأخذت جيوش الرومان ، والعرب المتنصرة تتدفق على " مؤته " ..
أخذت تتدفق بزهو ، وخيلاء ، وغرور كأنها أمواج بحر متلاطمه ..
وجيش المسلمين الصغير المرابط في " مؤته " كأنه جزيرة صغيرة مهددة بالغرق ..
نعم ..
لقد كانت الحالة بالنسبة للمسلمين حالة مخيفة مفزعة تثير الخوف والرعب..
وتزيغ منها العقول والأبصار ..
عبَّر أبو هريرة رضي الله عنه - وكان ممن حضر معركة " مؤته " - عبَّر عن هذه الحقيقة المفزعة وهذا الموقف الحرج بقوله :
فرأوا المشركين – يقصد المسلمين – رأوا المشركين ومعهم ما لا قِبَل لهم من العدد ، والسلاح ، والكراع ، والديباج ، والحرير ، والذهب ..
قال أبو هريره : وقد شهدت ذلك فبرق بصري ، وخشع سمعي ..
فقال له ثابت بن أقرم : يا أبا هريره مالك كأنك ترى جموعاً كثيره ؟!..
قال : نعم ما رأيت مثل هذه الجموع من قبل !.
قال ثابت : لم تشهدنا يوم بدر ..إنا لم ننصرمن كثره ..
ولا لوم على أبي هريره كبشر أن يخاف ويذهل..
لقد كان على كل جندي مسلم أن يقاتل في " مؤته " ( 70 ) من جنود الجيش الروماني ..
رجل مقابل ( 70 ) سبعين رجل ..
أسألك بالله العظيم ..
أسالك بالله العظيم ..
أما كان بوسعهم الرجوع دونما قتال بعدما علموا بجموع الرومان ..
أعيد وأكرر ..
طلَّاب الجنان لا يتراجعون ..
إما نصر ..
وإما شهاده ..
لقد أقدم الجيش الإسلامي الصغير في " مؤته" على أكبر مغامرة حربية عرفها التاريخ دونما جدال ..
ففي القوانين والأعراف العسكريه بين الأمم الأخرى غير المسلمه ..يُعتبر ما أقدم عليه قادة الجيش المسلم في ذلك اليوم ضرباً من الانتحار تُعاقب عليه القوانين العسكريه ..
أما عند طلَّاب الجنان فالحال يختلف ..
فالموت في سبيل الله غاية ما يتمنى المسلم الصادق..
أما اشترى الله منهم الأنفس والأموال..
أما باعوا هم الأنفس والأموال ..
على أن يكون الثمن الجنه..
بهذه الروح ..
من هذا المنطلق..
ثبت المسلمون بجيشهم الصغير ..
إنها مخاطرة عظيمة لم يشهد التاريخ مثلها ..
لقد كانت نتيجة المعركه مضمونه للرومان وهي النصر الساحق بإبادة الجيش المسلم إبادة كامله ، وذلك حسب المقاييس والمفاهيم العسكريه العاديه ..
لكن الإيمان صنع عجب العجاب ..
فتدفقت كتائب الرومان بحديدها ، وفرسانها كأمواج البحر الهادر ..
فصمد أمامها المسلمون ، وعددهم لا يتجاوز ال ( 3000 ) الثلاثة آلاف بل أكثرهم حاسر من الدروع ..
إنَّ ..
الإيمان ..
وصحة العقيدة ..
والاستبسال في سبيل الله ..
يعكس المفاهيم ..
ويقلب المقاييس ..
ويُكّسر الأقياد والأغلال ..
فكثرة العدد ..
ووفرة السلاح والتكنولوجيا العسكريه ..
ليست هي التي تصنع النصر المؤزر والساحق ..
وإن عدم توفر كل ذلك ليس هو الذي يصنع الهزائم ..
اسمع بارك الله فيك ..
اسمع رعاك الله ..
إنَّ الذي يصنع النصر حقيقة ..
ويصنع الصمود الذي يحول دون الهزائم الماحقه هو..
الإيمان ..
والثقه بالله جلَّ في علاه ..
نعم ..
الإيمان ..
والاعتماد على الله ..
وتشرب القلوب عقيدة القرآن الوضاءة المشرقه..
لا عقيدة ماركس ولينين المظلمه ..
استمرت المعركه أيام سبعه ، وكانوا يتوقعون أنها ساعات ..
لم يتوقع الرومان أن المعركه ستكون على هذا المستوى من الصمود ، والثبات ، والشراسة ، والضراوه ..
ثبت المسلمون على مشارف " مؤته " بل وعلى قلتهم قاموا بهجوم معاكس أتوا فيه بالعجائب ، فصرعوا عدة مئات من أفراد الجيش الروماني وأتباعهم بعد أن صعقوهم بالهجمات ،وأثخنوا فيهم الجراح ..
بل بدأت جموع الرومان مع كثرتها تركن إلى الفرار والهروب من أرض المعركه لهول ما رأوا من القلة المسلمه ..
حاولوا اقتحام مواقع المسلمين لتطويقهم فما استطاعوا ..
حاولوا أن يكروا ويفروا معهم فما استطاعوا ..
إن أي عاقل ، وأي منصف سيدرك ذلك المستوى الرفيع من ..
الشجاعة ..
والبطولة ..
والتضحية ..
والفداء ..
والإيمان العميق ..
الذي كان عليه المسلمون عندما يعلم أنهم وهم ( 3000) ثلاثة آلاف محارب استمروا يخوضون المعركه بصبر وشجاعة وضراوة طوال سبعة أيام ضدَّ جيش قوامه ( 200000) مئتا ألف مقاتل دون أن يتمكن ذلك الجيش من تسجيل أي نصر يُذكر على المسلمين ..
في أرض المعركه ثبت زيد - القائد العام - ثم استشهد بعد أيام سته من القتال بعد أن مزقته رماح الرومان وهو مقبل كالأسد الفخور...
ثم استلم جعفر الرايه فصار يُقاتل على فرس له شقراء .. والمسلمون يقاتلون بضراوة واستماتة لا مثيل لها ..{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ، وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ..
وهم يرددون .. { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } ..
فاقتحم جعفر صفوف الرومان ، ولكثرة الزحام ، وشدة الالتحام نزل عن فرسه ثم عقرها استعداداً للموت في سبيل الله ، ودفعاً لباب الهروب من أرض المعركه ..
فكان أول من عقر خيله في الإسلام أثناء القتال ..
وبعد أن ترجَّل على أرض المعركه أحاطت به الرومان من كل جهة وهو يقاتلهم قتالاً شديداً ، وراية الرسول صلى الله عليه وسلم في يده ..
وبينما هو كذلك تمكن أحد فرسان الرومان من قطع يد جعفر التي يحمل بها اللواء ، فحملها باليد الثانية فقُطعت ، فأظهر القائد الشاب بطولة فذة لا مثيل لها فبعد أن فقد كلتا يديه وحفاظاً على اللواء احتضنه بعضديه مُكباً عليه ، ليظل مرفوعاً ولا يقع أرضاً ، فتنهار لوقوعه معنويات المسلمين ..
فبقاء اللواء مرفوعاً ساعة القتال له أثر فعال في نفوس المحاربين من حيث الثبات والصمود..
رغم استبسال جعفر ، وثباته فقد انتهى صموده الرائع بأن سقط شهيداً بعد أن تناوشته سيوف الرومان وهو يحتضن اللواء في إصرار وتصميم ..
فصعدت الروح لتأخذ مكانها بين الصديقين والشهداء ..
قُتل وهو ابن ثلاث وثلاثين بعد أن فقد ذراعيه ..
فأثابه الله جناحين في الجنه يطير بهما في الجنه حيث يشاء ..
ثم استمر القتال أشد ضراوة ، وسارع عبد الله بن رواحه لقيادة الجيش ، وحمل اللواء، فوجد في نفسه تردداً لكثرة الحشود الرومانية الهائله فعاتب نفسه وخاطبها شعراً :

أقسمت يا نفسي لَتَنْزلنَّه
إن أَجْلَب الناس وشدّوا الرَّنَّه
قد طالما قد كنتِ مطمئنه
طائعة أو لَتُكْرَهِنَّه
مالي أراك تكرهين الجنه
هل أنت إلاَّ نطفة في شَنَّه