عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2004-12-26, 9:50 PM
لولوة حماده
عضو شرفي قدير
رقم العضوية : 75
تاريخ التسجيل : 7 - 8 - 2004
عدد المشاركات : 733

غير متواجد
 
افتراضي
الوحشة وفقدان لذة العبادة
ثالثها: الوحشة التي تجدها في قلبك بينك وبين الله عز وجل، وفقدان لذة العبادة، التي لا تعدلها لذةً في الدنيا، ولا تقاربها، ولا يشعر بذلك إلا من كان في قلبه بعضُ الحياة.
لقد دعوتك إلى قراءة القرآن، ولكنك اعتذرت مني بأنك ما إن تفتح المصحف حتى تهجم عليك الهواجس، وترِدُ عليك الواردات، وتشعر بثقلٍ في قلبك، ورغبةٍِ في الراحة أو النوم، وأنك تستثقل قراءة القرآن، فهذا جزاءُ من هجر القرآن، وأعرض عنه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً[طه:124].

الوحشة بينك وبين الناس

الرابع: الوحشة بينك وبين الناس، فإنك عصيت الله عز وجل فجعل الله تعالى عقوبة ذلك وسماً في علاقتك بزوجك، فهي ليست لك كما تحب، وليست لك كما كانت بعد الزواج، حينما كنت صالحاً مستقيماً، وكنت تقوم معها بعض الليل، وتقرأ معها بعض القرآن، وتشترك معها في قراءة الورد صباحاً ومساءً، أما اليوم فالله المستعان!
فما الناس بالناس الذين عرفتهم وما البيت بالبيت الذي كنت أعرف
أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها
فأنت قد هجرت ذلك كله، وابتعدت عنه، حتى إن أمرتْكَ زَوْجَتُك بالقيام لصلاة الفجر، أو المسارعة إلى الصلاة، وجدت في ذلك ثقلاً، وغضبت عليها، وأرغيت وأزبدت، فأين أنت بالأمس؟!
أين ذلك الشاب الذي كان يبحث عن فتاةٍ أول شروطها أن تكون متدينة؟!
إنها الوحشة بينك وبين الناس من أثر المعصية، ولقد قال بعض السلف : إني لأعصي الله تعالى فأرى ذلك في خلق امرأتي ودابتي. وما تجده أيضاً فيمن تعاملهم ويعاملونك من المشكلات والمشاكسات، وتباين وجهات النظر، والقيل والقال، وتغير في الأحوال، إن ذلك كله بعض ثمار المعاصي، والأمر أكبر من ذلك إذا لم تسارع إلى الله تعالى بالتوبة والإنابة.

تعسير الأمور عليك
أما الخامسة: فهاأنت ترى أن كثيراً من أمورك تعسرت، فأنت لا تطرق باباً إلا وجدته موصداً في وجهك، ولا أريد أن أضع النقاط على الحروف، ولكن الخبر وتفصيله عندك، كيف وجدت نفسك يوم أن كنت تدرس، وقد أوصدت في وجهك الأبواب، ثم في الوظيفة، ثم في التجارة، ثم في المعاملات الكثيرة التي كنت تديرها مع الناس.

المعصية الأولى واحدة واليوم بلا عدد
أما السادسة: فإن المعصية الأولى كانت واحدة، أما اليوم فهي بلا عدد، وأراك ما زلت تطلب المزيد، أو تسعى فيها، إن المعصية تزرع أمثالها، وإذا رأيت على إنسانٍ ذنباً، فاعلم أن عنده إخوانه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا[يونس:27] فالسيئة تجر السيئة، والحسنة تسبب الحسنة، والإنسان ينضم مع إلفه وشريكه ونظيره، وإن الحسنات والقربات وقراءة القرآن والصلوات والخيرات، لم تجد عندك صدراً رحباً، ولا قلباً واسعاً؛ لأنها وجدت المكان مشغولاً في غير ما يناسبها وما يلائمها، فابتعدت عنك وذهبت إلى من سواك، أما المعاصي فإنها وجدت نظيرها وشريكها.

ضعف القلب
أما السابعة وهي أخطرها: فضعف القلب في إرادة الخير، وقوة الإرادة في المعصية، إلى أن ينسلخ القلب بالكلية، وهذا من أعظم الأشياء خطورةً، قال ابن القيم رحمه الله:
والله ما أخشى الذنوب وإنها لعلى سبيل العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من تحكيم هذا الوحي والقرآن
نعم تلك المعاصي والذنوب أضعفت قلبك فأصبحت لا تنشط للخيرات، إن قلنا لك: أنفق في سبيل الله؛ مددت يدك وأنت ثقيل، فأخرجت ريالاً أو عشرة، ولكنك في المعاصي تخرج الآلاف المؤلفة، لا تحسبها ولا تعدها، وإن قلنا لك: هلم إلى الصلاة، قلت: اليوم أنا مزكوم، وأشعر بثقل في جسدي، وأشعر بحرارةٍ في رجلي، أما إن كنت واقفاً على معصيةٍ أو مستمعاً إلى أغنية، أو مشاهداً لحرام؛ فإنك تقف الساعات الطوال، وتتحرك جوارحك كلها، فالعينان تنظران، ويداك تتحركان، وجسمك يتقدم ويتأخر، وكل جزءٍ من جوارحك مشدود، وأعصابك مهزوزة، فيا ترى ما الذي يجعلك تسرع إلى المعصية وتبطئ بالطاعة؟
إنه قسوة القلب ومرضه، وإذا لم تسارع بالعلاج لدى الطبيب فيخشى أن يكون الأمر موتاً، فإن القلوب تموت، بل تعدم، قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ق:37] أفترى -أخي- أن قلبك مفقود؟!
إن هذه المضغة موجودةٌ ولا شك؛ ولكن ما في داخلها من مراقبة الله والاعتبار والاتعاظ ربما غطى عليه الغبار، وربما غلبت عليه الشهوات، فالبدار البدار، فإن الأمر أعجل من ذلك.


توقيع لولوة حماده
كن جميلاً .. ترى الوجود جميلاً