ودعت المؤتمرات العالمية بدءاً «ببكين» عام 1995 وانتهاءً «بنيويورك» عام 2000 إلى تهوين مسألة الزواج والطلاق وطرح مفاهيم غريبة تخالف الفطـــرة السويــة.مثل هذه الإجراءات ولدّت مشاكل كثيرة أبرزها كثرة المطلقات والمطلقين من الشباب في العالم وأصبحت هذه الأزمة هاجساً عند الشعوب وتحركت بعض الحكومات بأفكار لعلاج هذه الظاهرة، منها ما طرحه التلفزيون البريطاني من فكرة «الزواج العمياني» بأن يعقد الشاب على الفتاة من غير أن يرى أحدهما الآخر، وتبنت بعض المؤسســات في العالم ومنــها مؤسسة «ميس» الأميركية مسابقة «ملكة جمال المطلقات» وقـــد كسرت بذلك شروطهــا في الموافقة على المرشحات لملكات الجمال لأنها كانت تشترط فيهن عدم السبق في الــزواج بينما سمحت مؤخراً بانضمام المطلقات لأنهن صغيرات في السن وازداد عددهــن في أمريكــا.
هل هذا الحل صحيح؟
أم إن بداية المشكلة كانت خاطئة؟!
إن المدقق في تعاليم الإسلام في مسألة الطلاق يلاحظ أن 90% من أيام السنة لم يسمح الإسلام بالطلاق فيها، وذلك لأن الطلاق ينبغي أن لا يقع على المرأة أثناء حملها أو نفاسها أو أثناء الدورة الشهرية أو في وقت ليس على المرأة دورة شهرية، ولكن زوجها لم يجامعها بعدما اغتسلت، فلو جمعنا هذه الأيام من السنة بنظام محاسبي دقيق لوجدنا أن في السنة 40 يوماً يمكن للرجل أن يوقع الطلاق فيها على زوجته بينما في الأيام الأخرى يسمى الطلاق «طلاقاً بدعياً»..
بمثل هذه المنهجية تعالج قضايا الطلاق بالإضافة إلى تهيئة المتزوجين على مهارة حل المشاكل الزوجية وعمل برامج إرشادية للمطلقين وبث الوعي الاجتماعي بنظام تعدد الزوجات، ومن الغريب في هذا الموضوع أن يعتمد البورد الروسي في الشهر الماضي نظام التعدد في الإسلام كحل لتخليص المجتمع الروسي من ظاهرة العنوسة وكثرة المطلقات، وانتشار حمل السفاح واللقطاء في المجتمع الروسي. نعم إن الطلاق رحمة إن كان في محله الصحيح، وعذاب إن لم يكن في توقيته الصحيح، والذي يعالج لنا الموضوع هو خلق المداراة بين الزوجين مهما كانت المشكلة ولعل من الطريف أن نذكر المشكلة التي حصلت لعبدالله بن رواحة ] مع زوجته عندما رأته مع جارية له يقول: إنه أصاب من جارية له، فنددت به امرأته، فأخذت شفرة، ثم أتته، فوافقته قد قام منها، قالت: أفعلتها يا بن رواحة؟
قال: ما فعلت شيئاً.قالت: لتقرأن قرآناً أو لأبعجنك بها!قال: ففكرت في قراءة القرآن وأنا جنب، فهبت ذلك، وهي امرأة غيرى، وبيدها شفرة، ولا آمنها، فقلت:
وفينا رسول اللــه يتلـــو كتابـــه إذا انشق مشهور من الصبح ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلــت بالكافـــرين المضاجــع
أرانا الهـدى بـعد العمـــى فقلــوبنا بــه موقنــات أن ما قـــال واقــــع
فألقت السكين وقالت: آمنت بالله وكذبت البصر.
فأتيت رسول الله فأخبرته، فضحك، وأعجبه ما صنعت.
بمثل هذه المداراة تحفظ البيوت، ولا نحتاج أن نعمل مسابقة لملكات الجمال للمطلقات أو مسابقة الزواج العمياني.
فقه المداراة في البيت النبويمن القصص الجميلة في معنى المداراة ما رواه عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال صلى الله عليه وسلم ائذنوا له، فبئس ابن العشيــرة أو بئس أخو العشيرة»، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول، فقال: «أي عائشــة»، إن شــر النــاس منزلـــة عند الله من تركـــه أو ودعه النـــاس اتقـــاء فحشــه». إنها قصة جميلة حتى إن الإمام البخاري كتب لها عنواناً «باب المداراة مع الناس»، ثم ذكر كلمة أبي الدرداء «انا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم» وذكر ابن حجر في شرح الحديث أن «المداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولاسيما إذا احتاج إلى تألفه ونحــو ذلـك». وشرح ابن بطال الحديث بأن المذكور كان منافقاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بما ظهر، لا بما يعلمه في نفس الأمر، وقال آخر لما فيه من شدة فكان لذلك من لسانه بذاءة.وتبين من القصة كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم دارى ذلك الرجل لسوء خلق فيه سواءً أكان لسانه بذيئاً أم كان منافقاً اتقاء شره.
وهذا ما عبر عنه أبو الدرداء في كلمته السابقة، وإن المتأمل في المنهج النبوي ليجد الحكمة في مثل هذا الخلق سواء استخدمه الشخص مع زوجته أم أبنائه أم أصحابه، فإن المداراة تحفظ الود والعلاقات، ولو تخلينا أننا أمرنا بأن نخرج كل ما نعرفه عن الناس في وجوههم لفقدنا كل العلاقات الاجتماعية وخسرناها، ولهذا عدّ النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل لهذا الخلق من الصدقة فقال: «مداراة الناس صدقة»
وكذلك أمرنا الله تعالى بأن نداري والدينا، وسماها الله تعالى «بالمصاحبة في المعروف» فقال:
{ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لـــي ولوالديك إلى المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهمـــا وصاحبهما في الدنيــا معروفــاً واتبــع سبيـــل من أنـــاب إلــيّ، ثـــم إليَّ مرجعـــكم فأنبئـــكم بما كنتــم تعملون}
فالمداراة إذن خلق مهم وعظيم إذا تخلق به الإنسان حفظ علاقته مع أهله ومجتمعه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرق في المعاملة على حسب الشخص: فلا يعامل الصغير مثل الكبير.
ولا يعامل الرجل مثل المرأة.
ولا يعامل البدوي مثل الحضري.
ولا يعامل حديث الإسلام مثل القديم.
وكل ذلك من المداراة، بل قال عليه السلام: «أقيلـــوا ذوى الهيئـــات عثراتهــم» وهــي أيضـاً مـــن المـــداراة.
[COLOR="darkred"]كيف نربي أبناءنا على المداراة؟[/
1 - نعلمهم معنى المداراة وفوائدها ونفرق لهم بينها وبين المداهنة.
2 - نذكر لهم قصصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى.
3 - نشتري لهم كتاب ابن أبي الدنيــا واسمـــه «مداراة النـــاس» ونقرؤه معهم ونناقشـهم فـــي أفكــــاره.
4 - نكون لهم قدوة عملية ليشاهدوا هذا الخلق أمامهم.
5 - إذا لاحظنـــا عليهم تصرفاً يخالف مفهوم المداراة مع أصدقــائهــم فننبههــم عليـــه.
6 - عندما يكــون أبناؤنـــا مقبلين على الــزواج نتحـــدث معهـــم فــي كيفيـــة مـــداراة كـــل واحــد منهـــم للآخـــر.
جاسم المطوع