عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2011-05-01, 7:55 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي

فيا إخوة الإيمان، وكما للمَظهَر جمالُه، فللمَخبَر حُسنُه، وكما حثَّنا ربُّنا على تجميل الظواهر، رغَّبنا - سبحانه - في تجميل البواطن؛ تجميلها بإصلاحها، وغرس التقوى فيها، جمع - سبحانه - الجمالين في قوله - تعالى -: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].

فما أجمل أنْ يتَجمَّل القلبُ باستِقامته وطَهارته من أدران الغلِّ والبَغضاء، والكِبر والشحناء!

وإذا جمل الباطنُ، تبعَه الظاهر في الجمال، فلا يخرج منه إلا كُلُّ قول جميل، وفعل جميل، وفي الحديث: ((ألا وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كلُّه)).

وإذا رُزِق العبد جمالَ الظاهر والباطن، رُزِق محبَّة القلوب، واشتاقَتْ له الأرواح، وسطرت له الألسن عِبارات المدح والثناء.

عَامِلِ النَّاسَ بِوَجْهٍ طَلِيقِ
وَالْقَ مَن تَلْقَى بِبِشْرٍ رَفِيقِ
فَإذِا أَنْتَ جَمِيلُ الثَّنَاءِ
وَإِذَا أَنْتَ كَثِيرُ الصَّدِيقِ

إذا جملت الأخلاق والرُّوح، حسُنت السِّيرة، وصلَحت المسيرة، فطابَ للعبد العيشُ، وابتسمت له الحياةُ.

جَمَالُ الرُّوحِ ذَاكَ هُوَ الجَمَالُ
تَطِيبُ بِهِ الشَّمَائِلُ وَالخِلالُ
وَلاَ تُغْنِي إِذَا حَسُنَتْ وُجُوهٌ
وَفِي الأَجْسَادِ أَرْوَاحٌ ثِقَالُ

وعكسه بعكسه؛ إذا ساءَت الأخلاق وقبح السلوك، تنكَّد العيش وتكدرت الحياة، وكثر التشاكي منها ومن أهلها.

أيُّهَا الشَّاكِي وَمَا بِكَ دَاءُ
كُنْ جَمِيلاً تَرَ الوُجُودَ جَمِيلاَ

وبعدُ إخوة الإيمان:
فإنَّ تجميل الظاهر والباطن مطلبٌ شرعي، وأمَّا جمال الصورة والخِلقة، فهذا قَسمٌ يقسمه الله بين عباده، ما بين جميل قسيم، وبين قبيح ذميم، وآخرين بين ذلك كثيرا.

ولا يجوزُ ذمُّ أحدٍ لقُبح صُورته، فهذا طعنٌ واتِّهام للخالق الذي خلَقَه، فالعيب والشين والذمُّ ليس في قُبح الصورة؛ وإنما في قُبح الخُلُق والرُّوح؛ لأنَّ ذاك في قُدرة الإنسان واستطاعته.

أسامة بن زيد كان دميم الخلقة قال عنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو كان أسامة جارية، لحلَّيته وكسوته حتى أُنفِّقَه))، لكن دمامته لم تمنعه أنْ يكون حِبَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

عَطاء بن أبي رباح كان أعرج أسود أفطس، أشلَّ أعور، وعمي في آخِر عُمره، لكنَّ هذه القَبائح تناثَرت أمام خُلقه وعِلمه وإمامته، وقَف على رأسه الخلفاء إجلالاً وهيبةً.

الأحنف بن قيس يُضرَب به المثل في الحِلم، والحلم سيِّد الأخلاق، كان الأحنف قصيرَ القامة، أسمر اللون، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، أحنف الرجلين، ليس شيء من قُبح المنظر إلاَّ وهو آخذٌ منه بنصيب، لكن هذه الدمامة لم تمنعْه أنْ يكون سيِّدًا مطاعًا، إذا غضب غضب لغضبته مائة ألف نفس لا يسألون فيمَ غضب؟

نسأل الله - عزَّ وجلَّ - كما حسَّن خَلقنا أن يجمِّل أخلاقَنا، وأنْ يصلح قلوبنا، وأنْ يجعل بَواطِننا خيرًا من ظواهرنا، صلُّوا بعد ذلك على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟