بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْد لِلَّه حَمْدا كَثِيْرا طَيِّبا مُبَارَكا فِيْه مُبَارَكا عَلَيْه كَمَا يُحِب رَبُّنَا وَيَرْضَى
الْلَّهُم صَلِّي وَسَلِّم عَلَى نَبِيِّنَا وَحَبِيْبِنَا وَسَيِّدَنَا مُحَمَّد وَعَلَى آَلِه وَزَوْجَاتِه وَذُرِّيَّاتِه وَآَلِه وَصَحْبِه أَجْمَعِيْن
الْلَّهُم ارْزُقْنَا حُبَّك وَحُب مَن يُحِبُّك وَكُل عَمَل يُقَرِّبُنَا لِحُبِّك وَمَرْضَاتِك وَحَبِّبْنَا لِخَلْقِك وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِيَن حَيْثُمَا كُنَّا
الْلَّهُم اعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْن عِبَادَتِك
أختي المسلمة : الفزع إلى ملك الملوك؛ هو شعار المؤمنين الصَّادقين .. وغاية المخلصين..
فهم قد علموا أن ربهم تعالى قريب ممن اعتصم به .. وولي من التجأ ببابه ..
فاطمأنت نفوسهم إلى موعوده .. ووثقت بتأييده ..
هذه محاسبة أخرى فلتقفها أيها العاقل مع نفسك .. وسؤال ينبغي أن تسأله نفسك : هل أنت من المتوكلين على الله تعالى ؟!
التوكل على الله تعالى ! ذلك الأصل العظيم .. والعمل الجليل !
هل وقفت يومًا على معنى التوكل ؟!
هل تأملت في حقيقته ؟!
ما هو التوكل على الله تعالى ؟! وبم عرَّفه العارفون ؟!

قال شقيق البلخي رحمه الله : « التوكل طمأنينة القلب بموعود الله عز وجل ».
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : « وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به ».
وقال بعضهم : « التوكل؛ التعلق بالله في كل حال ».
وقيل : « نفي الشكوك والتفويض إلى مالك الملوك ».
أخي المسلم : ذلك هو التوكل، ويدور معناه حول الثقة بالله، والطمأنينة بموعوده، وتفويض الأمر إليه تبارك وتعالى ..
فهل سألت نفسك : إنْ خرجتَ من بيتك هل تتوكل على الله ؟
أرأيت إن عزمت على أمر من الأمور هل تتوكل على الله ؟
أرأيت إن خرجت في طلب رزقك هل تتوكل على الله ؟
أرأيت إن نزلت بك المصائب هل تفوِّض أمرك إلى الله ؟
التوكل على الله عقيدة ضُعفت في قلوب الكثيرين ممن ملأ قلوبهم حب الدنيا .. والالتفات إلى الأسباب .
حتى أصبح هؤلاء الغافلون يربط الواحد منهم رزقه ونفعه وضُرَّه بالمخلوق !
قال بشر بن الحارث رحمه الله: « أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن طلب الدنيا ؟! اطلب الدنيا ممن بيده الدنيا ».
وقال عبد الله بن إدريس بن يزيد رحمه الله : « عجبت ممن ينقطع إلى رجل، ولا ينقطع إلى من له السماوات والأرض ! ».
فتأمل في حالك أيُّها المسلم .. وفتش قلبك؛ هل تجد فيه أثرًا لهذا الأصل العظيم : (التوكل على الله ؟! ).
وعلامة التوكل الصادق؛ الذي يجده أهل التوكل، هو كما قال الحسن البصري رحمه الله، قال : « إن من توكُّل العبد أن يكون الله عزَّ وجلَّ هو ثقته ».
فكيف ثقتك بالله تعالى ؟!
فتِّش في جنبات نفسك عن جواب هذا السؤال .. وحاول أن تقف على عتبات التوكل بصدق وإخلاص ..
أخي المسلم : لقد دعاك الله تعالى إلى التوكل عليه وتفويض أمرك إليه.. وهي دعوة من ملك الملوك والفعَّال لما يريد !
قال الله تعالى: { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
[آل عمران: 160].
وقال تعالى: { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [المجادلة: 10].
وأمر الله تعالى نبيه إذا عزم على شيء؛ أن يتوكل على الله.
قال الله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
وأخبرك الله تعالى أنه كافيك أمرك إذا توكلت عليه عز وجل.
قال الله تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق: 3].
وأخبرك الله تعالى أن التوكل عليه من صفات المؤمنين.
قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الأنفال: 2].
فهو تبارك وتعالى حيٌّ لا يموت.. لا يعجزه شيء في ملكه.. ومن توكل عليه عزَّ وجل لم يحتج إلى غيره..
( عن أبي قدامة الرَّملي قال: { قرأ رجل هذه الآية: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} فأقبل عليَّ سليمان الخواص فقال: يا أبا قدامة، ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد بعد الله في أمره، ثم قال: انظر كيف قال الله تبارك وتعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } فأعلمك أنه لا يموت، وأنَّ جميع خلقه يموتون، ثم أمرك بعبادته فقال: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} ثم أخبرك بأنه خبير بصير، ثم قال : والله يا أبا قدامة لو عامل عبد الله بحُسْن التوكل، وصدق النية له بطاعته، لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم ! فكيف يكون هذا محتاجًا وموئله وملجؤه إلى الغني الحميد ؟! ).
أخي المسلم : هكذا فهم الصالحون التوكل؛ أن تفوِّض أمرك إلى الغني .. الذي ليس كمثله شيء !