ثالثاً : لا ريب أن تصوير النساء بالكاميرات المدمجة في الجوال وغيرها ، وما يتبع ذلك من تداول صورهن لسبب كبير في إشاعة الفواحش في المجتمع .
وذلك أن النفوس إذا هتكت حجاب العفة وتجاوزت حدود الأدب ، فإنها تطمح لما وراء ذلك من سفاسف الأخلاق ، وهذا منشأه استمراء الفواحش والمنكرات .
والذين يعمدون لتداول تلك الصور ونشرها ، يساعدون في تقويض الفضيلة في المجتمع واستساغة الرذيلة ، ويتسببون في وقوع الفواحش وإشاعتها ، ولفظاعة هذا العمل وشناعته ، فقد توعد الله من سعى فيه وتسبب ، فقال سبحانه : ( إنَّ الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ( النور : 19 ) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : عند تفسير الآية : ( إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة ) أي الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة ، فيحبون أن تشتهر الفاحشة ( في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم ) أي موجعٌ للقلب والبدن وذلك لغشِّه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشَّرِّ لهم، وجراءته على أعراضهم ، فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة ، واستحلاء ذلك بالقلب ، فكيف بما هو أعظم من ذلك ، من إظهاره ونقله ؟! وسواءً كانت الفاحشة صادرة أو غير صادرة ".
وإن مما يؤسف له أن شبكة الإنترنت قد استغلت في هذا المجال أيما استغلال ، وصارت موبئاً للتعاملات الساقطة ، إذ لم تقتصر على تداول صور ومناظر الفحش والعهر من منتحلي الفواحش من الكفار والكافرات ، ولكن يتم بث صور المسلمات العفيفات الغافلات ، وربما أُدخلت عليها عمليات الدبلجة ، بتركيب الصور على أجساد عارية ، وهذا من أعظم البغي وأكبر العدوان وأشد البهتان . ولسوف يدرك الفاعل لذلك شناعة جرمه يوم يجازيه الله على هذا الاعتداء والبغي .
رابعاً : لا ريب أن تلك الأعمال المشار إليها مشتملةٌ على أذية المؤمنين والمؤمنات :
فإنَّ مَنْ تَمَّ تصويرها بما يُظهر عورتَها ، أو هتك خصوصياتها ، لا ريب أنه من أشد الأذية لها ، وقد قال الله عزَّ وجال : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ) ، وهذا عامٌ في كل ما كان من أذية المؤمنين والمؤمنات .
وقد ثبت في جامع الترمذي وغيره عن نافع عن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ، فنادى بصوت رفيع ، فقال : " يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبِه ، لا تُؤذُوا المسلمين ، ولا تُعيِّروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يَفْضَحْهُ ولو في جوف رحله " .
قال نافع ونظر ابن عمر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة ، فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك .
ولا ريب أنه لا أشد على النفوس الكريمة من أن تؤذى في أعراضها ، فالأذية حاصلةٌ للمسلمات ، وحاصلةٌ أيضاً لأهليهن ، لما يلحقها في ذلك من مشاعر الإحباط والامتعاض .