سؤال رقم (21): ذكر تعالى الانتصار في البغي في معرض المدح قائلا: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ﴾ /39، ثم ذكر العفو عن الجرم في معرض المدح أيضا قائلا: ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ /41 – فكيف نبرر هذا التعارض الظاهر؟
رد أبو بكر بن العربي على ذلك بالقول: يحتمل أن يكون أحدهما رافعا للآخر. ويحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين: إحداهما: أن يكون الباغي معلنا بالفجور، وقحا في الجمهور، مؤذيا الصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قيل: يُكره للمؤمنين أن يُذِلّوا أنفسهم، فيجترئ عليهم الفُساق. والثاني: أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة، ويسأل المغفرة، فالعفو ها هنا أفضل. [ أحكام القرآن لابن العربي، 4/87-88 ]
سؤال رقم (22): وضح كيف يكون جزاء السيئة بمثلها على ما ورد في قوله تعالى: ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ /40؟
سمّى الجزاء سيئة، وإن لم يكن سيئة، لتشابههما في الصورة. قال مقاتل: يعني القصاص في الجراحات والدماء. وقال مجاهد والسدي: هو جواب بالقبيح. إذا قال له أحد: أخزاك الله، يقول: أخزاك الله! وإذا شتمك، فاشتمه بمثلها، من غير أن تعتدي! قال سفيان بن عيينة: قلت لسفيان الثوري: ما قوله عز وجل: ﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾؟ قال: أن يشتمك رجل فتشتمه، أو أن يفعل بك فتفعل به! فلم أجد عنده شيئا! فسألت هشام ابن حجيرة عن هذه الآية، فقال: الجارح إذا جرح يُقتص منه، وليس هو أن يشتمك فتشتمه. ثم ذكر العفو، فقال: ﴿ فَمَنْ عَفَا ﴾ عمن ظلمه، ﴿ وَأَصْلَحَ ﴾ بالعفو بينه وبين ظالمه، ﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾. قال الحسن: إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ: من كان له على الله أجر فليقم! فلا يقوم إلا من عفا. ثم قرأ هذه الآية: ﴿ إِنَّهُ َلا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾. قال ابن عباس: الذين يبدأون بالظلم. [ تفسير البغوي ]
سؤال رقم (23): كيف يخسر الظالمون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؟
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ /45. قيل خسروا أنفسهم، بأن صاروا إلى النار، وأهليهم، بأن صاروا لغيرهم في الجنة.
سؤال رقم (24): ذكر تعالى في الآيات: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ /49-50، أربعة اقسام للأبناء، تقابل الاقسام الأربعة الخاصة بالآباء. وضح بالتفصيل؟
جعل الله تعالى الناس أربعة أقسام: منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا، ومنهم من يمنعه هذا وهذا فيجعله عقيما لا نسل له ولا ولد له، هذا من ناحية الأولاد. أما من ناحية الآباء، فلقد خلق الله تعالى الخلق على أربعة أقسام: فآدم عليه الصلاة والسلام مخلوق من تراب لا من ذكر ولا أنثى، وحواء عليها السلام مخلوقة من ذكر بلا أنثى. وسائر الخلق سوى عيسى عليه السلام من ذكر وأنثى. وعيسى عليه السلام من أنثى بلا ذكر، فتمت الدلالة على قدرة الله سبحانه وتعالى بخلق عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام. [ تفسير ابن كثير ]
سؤال رقم (25): وضح الإشكال الظاهر في تعارض قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ /52 مع قوله سبحانه: ﴿ إِنَّكَ َلا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [ القصص: 56 ]؟
إن الهدي المثبت له صلى الله عليه وسلم في قوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ /52، هو الهدي العام الذي هو البيان والدلالة والإرشاد، وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم، فبيّن المحجة البيضاء، حتى تركها ليلها كنهارها لا يزيغ عنها هالك. أما الهدي المنفي عنه في آية: ﴿ إِنَّكَ َلا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [ القصص: 56 ] فهو الهدي الخاص، الذي هو التفضل بالتوفيق، لأن ذلك بيد الله وحده وليس بيده صلى الله عليه وسلم. [ أضواء البيان، 7/21 ]
سؤال رقم (26): ذكرت السورة كلمة الوحي بمشتقاتها عدة مرات، فما الدلالة على ذلك؟
الغرض من تكرار ذكر كلمة الوحي بمشتقاتها في هذه السورة، هو التأكيد على أمر هذا القرآن، وبأن الله تعالى هو الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم. وقد يكون من الهام استعراض معنى الوحي قبل أن نذكر الآيات التي ذكرته في هذه السورة الكريمة:
يقال: وحيت إليه وأوحيت، إذا كلمّته بما تخفيه عن غيره. والوحي: الإشارة السريعة، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد، وبإشارة ببعض الجوارح. والوحي مصدر، ومادة الكلمة على معنيين أصليين، هما: الخفاء، والسرعة. ولذا قيل في معناه: الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجًّه إليه بحيث يخفى على غيره، وهذا معنى المصدر. ويُطلق ويُراد به الموحى، أي بمعنى اسم المفعول. ولغة القرآن الفاشية: " أوحى " بالألف، ولم يستعمل مصدرها. وإنما جاء فيه مصدر الثلاثي: ﴿ إِنْ هُوَ إَِّلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [ النجم: 4 ]. ووحي الله إلى أنبيائه قد عرّفوه شرعا بأنه: كلام الله المنزّل على نبي من أنبيائه. وهو تعريف له بمعنى اسم المفعول، أي الموحى. والوحي بالمعنى المصدري اصطلاحا: هو إعلام الله تعالى من يصطفيه من عباده ما أراد من هداية بطريقة خفية سريعة. [ مباحث في علوم القرآن، 26-27 ]
وقد ذكرت هذه السورة كلمة الوحي بمشتقاتها ست مرات، على النحو التالي:
﴿ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ /3
﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ /7
﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ /13
﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إَِّلا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ / 51
﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ / 52