واستثنى من الاتصاف بصفة هذه بشقيها: الجزع والمنع للخير، من ذكرهم بعد هذه الآية بقوله: (إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون)
والدوام على الصلاة معناه المواظبة عليها والانهماك فيها حتى تنتهي، وعدم الانشغال عنها، وليس المراد أنهم يصلون أبداً.
جاء في (البحر المحيط): "ديمومتها، قال الجمهور: المواظبة عليها وقال ابن مسعود: صلاتها لوقتها.
وقال عقبة بن عامر: يقرون فيها ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً"[47] .
وجاء في (فتح القدير): "أي لا يشغلهم عنها شاغل، ولا يصرفهم عنها صارف، وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبداً"[48]
وجاء في (روح المعاني): "أخرج ابن المنذر عن أبي الخير أن عقبة قال لهم: من الذين هم على صلاتهم دائمون؟ قال: قلنا الذين لا يزالون وأما ارتباطها بقوله: (إن الإنسان خلق هلوعاً) فهو أجمل ارتباط وأحسنه ذلك أن الدوام الصلاة علاج للجزع، وعلاج لمنع الخير. فإن الجزوع شخص لا يصبر.
وعلاج هذه الصفة أن يتعلم الصبر ويتعوده، والدوام على الصلاة والمواظبة عليها والاستمرار عليها من أحسن ما يعود على الصبر، فإن هذه الأعمال تقتضي صبراً متواصلاً، ولذا لا يدوم، عليها كثير من النسا، فهم يصلون ولمكن لا يدومون على صلاتهم، بل ينشغلون عنها بأنفسهم وقلوبهم وتسرح في دواخلهم صوارف تنال كثيراً من صلاتهم. فالدوام عليها علاج من أنجع الأدوية للتعويد على الصبر والمعافاة من الجزع.
وهي كذلك علاج لمنع الخير ذلك أن الدائم في صلاته يتعود أن يعطي من نفسه ووقته لربه، بل يعطيه نفسه كلها ووقته في الصلاة، وأم يتحرر من العبودية لرغبته وشهوته فيدوم على أمر ليس في مصلحة دنيوية ظاهرة له، بل قد يفوت عليه شيئاً علاجاً كما ذكر ربنا في قوله في صلاة الجمعة": (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) [الجمعة]