كيف نتقي هذه الأمور؟
الإنسانُ في حياته الدنيا إن لم يتبع هدى ربه معرّضٌ لكثير من المخاطر, فالدنيا خضرة نضرة سُمُّها في دسمها, فيها منزلقات ومتاهات, مالُها يغري ويردي ويشقي, والأهل والولد َمشغلة َمجبنة مبخلة, الشهوات فيها مستعرة في أبهى حُللها، والفتن فيها يقظة في أجمل أثوابها.
فكيف يتقي الإنسانُ الضياع في تلك المتاهات والضلالات؟ وكيف يتقي الإنسان الانجذاب إلى هذه الفتن المهلكات؟ وكيف يتقي الإنسان خطر الانغماس في تلك الشهوات؟ وكيف يتقي الإنسان حمأة المزاحمة في جمع الثروات؟ وكيف يتقي شقاء الدنيا وعذاب الآخرة؟ للإجابة على هذه الأسئلة نقول:
حينما يبني الإنسانُ تصوّراته عن الكون والحياة والإنسان وِفق البيان الإلهي, وحينما ينطلق في حركته اليومية وِفق التشريع الرباني, يكون قد أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان. أما إذا ضلّ عقله وساء عمله فقد أسّس بنيانه على شفا جُرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنم.
وعبادة الله الحقّة الخالصة تقي الإنسان شقاء الدنيا وعذاب الآخرة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21]. فعبادة الله وحده تقي شقاء الدنيا والآخرة.
والتقوى لله هي الجواب على كل الأسئلة السابقة.
وطريق التقوى ليست مفروشةً بالرياحين، بل هو طريقٌ محفوفٌ بالمكاره, لماذا؟ لأن سلعةَ الله غالية، ولأن عملَ الجنة صعب الوصول إليه, وعمل النار سهل ومتيسر, فلابد من الانضباط الذاتي, ولابد من البذل والتضحية.
قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:90].
والتقوى لا تقبلُ أن يعطيها الإنسانُ بعضه, بل لا بد أن يعطيها كله، فلا يُقبل من التقي بذل بعض الجهد بل لابد له من بذل كل الجهد؛ ولذلك فحجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح وإخلاصه وصوابه, فلكل درجات مما عملوا والعمل الصالح يرفعه. قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16]. أي استنفذوا كل الجهد.
[المصدر: كتاب آيات التقوى في القرآن - د. حسين علي الجبوري / ص 13 - 14]