ومنها: أنه جاء بـ (ثم) لتوكيد الكلام، إذ أن جملة التوكيد قد يفصل بينها وبين المؤكدة بحرف العطف، تقول: والله ثم والله. وفي (روح المعاني): "إنها كررت للتأكيد"[39].
وربما جاء بـ (ثم) للتراخي الزمني أيضاً، إذ هناك عذاب في القبر وعذاب في الآخرة، وبينهما مدة مديدة كما قال تعالى في آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) [غافر].
فهم يعرضون على النار غدواً وعشياً في القبر، ويوم تقوم الساعة لهم عذاب أشد.
وعلى هذا يكون التهديد الأول في القبر والثاني في الآخرة، وجاء بهما بـ (ثم) الدالة على المهلة والتراخي، والدالة على بعد ما بين تهديدين والعذابين في الشدة.
ونحوه ما قيل في قوله: (كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون) [التكاثر] فقد قيل: أن العلم الأول عند المعاينة ونزول الموت والعلم الثاني في القبر.
جاء في التفسير القيم وقوله: "(كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون) قيل تأكيد لحصول العلم كقوله: (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) [النبأ] وقيل: ليس تأكيداً بل العلم الأول عند المعاينة ونزول الموت، والعلم الثاني في القبر، وهذا قول الحسن ومقاتل. ورواه عطاء عن ابن عباس.
ويدل على صحة هذا القول عدة أوجه:
أحدها: أن الفائدة الجديدة والتأسيس هو الأصل، وقد أمكن اعتباره مع فخامة المعنى وجلالته، وعدم الإخلال بالفصاحة.
الثاني: لتوسط (ثم) بين العلمين، وهي مؤذنة ما بين المرتبتين زماناً وخطراً"[40].
وجاء في (فتح القدير) في قوله: (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) "قيل: ومعنى التكرير لهذا اللفظ أربع مرات: الويل لك حياً والويل لك ميتاً، والويل لك يوم البعث، والويل لك يوم تدخل النار"[41].
7ـ لذا جاء بالفاء بين الأوليين لقربهما وتعجيلهما فقال: (أولى لك فأولى) فإن ما بين العذابين قريب، وهو عذاب الدنيا وعذاب القبر.
وكذلك جاء ما بين العذابين الآخرين بالفاء، لقربهما وتعجيلهما فقال: (أولى لك فأولى) فإن ما بين العذابين قريب، وهو عذاب الدنيا وعذاب القبر.