ثانياً : ومن وسائل كشف الكربة :-
تذكر المصيبة العظمى بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكل مصيبةٍ دون مصيبتنا بموته صلى الله عليه وسلم تهون , فبموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء إلى القيامة وبموته انقطعت النبوات وبموته ظهر الفساد بارتداد العرب عن الدين فهو أول انقطاع عرى الدين أو نقصانه.
وفيه غاية التسلية عن كل مصيبةٍ تصيب العبد أو تحل بأمة الإسلام جمعاء ... وهاهو صلى الله عليه وسلم يطلب منا أن نذكر بمصائبنا موته وفراقه وبذلك تهون علينا المصائب والخطوب , فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه الألباني في السلسة :
(إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب).
إي والله ! ما من عزيز أو حبيب أو قريب أو صديق فقدناه إلا وذاق القلب من لوعة فراقه وحرقة وداعه ما الله به عليم , فهل شعرنا بهذا ونحن نستشعر موت النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ما ذا لو فقد الرجل أسرته كلها وقد احترق فؤاده وأدمي قلبه وأنبتت دموعه الأسى ثم تزوج بعد فترة ثم رزق بأبناء وعقب سنة مات أحد أبنائه , فكيف يكون حزنه وألمه إذا قورن بالمصاب الأول ؟
أليس الخطب أهون ؟ أليست المصيبة أقل ؟ بلى ! فهكذا ينبغي أن نعزي أنفسنا كلما أصابتنا المصائب بذكر موت النبي صلى الله عليه وسلم فهو أعظم المصائب , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ما من مسلم إلا وأصيب بموته وفراقه ويتمنى أن يفتدي رؤيته بالدنيا جميعها يخاطبنا فيقول كما في صحيح سنن ابن ماجه :
(يا أيها الناس , أيما أحد من الناس –أو من المؤمنين- أصيب بمصيبة فليتعزى بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري , فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي).
ولو تأملنا كلمة "فليتعزى" لوجدنا فيها العلاج والدواء إنها حروف يستطب بها الفؤاد وتربّ بها الأكباد , ماذا لو فقد إنسان أبويه في حادث سيارة ؟ أفلا يظل أثر المصيبة في قلبه مدى الدهر ؟ إن المصيبة ينبغي أن تعظم إذا سمعنا قوله صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ومسلم:
(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
وكأن المعنى بعد هذا النص سيكون : لا يؤمن أحدكم حتى يكون موتي أعظم مصيبة من موت ولده ووالده والناس أجمعين .. فأين هذا الإحساس وأين بربكم هذا الشعور ؟
إن فقد النبي صلى الله عليه وسلم من مصائب الدين وإن أي إنسانٍ فقدته ليهون أمام فقد النبي صلى الله عليه وسلم .. يا نفس بعد المصطفى أفتطمعي في الخلد ؟ كلا ما إليه من سبيلُ.
هل فقدت أمك يوماً ما ؟ وهل تذكرت عند موتها وأنت تتألم لموتها أنها بإذن الله أخرجتك من ظلمات البطن إلى نور الدنيا ورعتك وربتك.
فهل تنسى في خضم ذلك الشعور أن الله أخرجك بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم من ظلمات الظلالة إلى نور الهدى والتوحيد؟ وهذا بإذن الله إنقاذ لك من الخلود في النار , فهل بحنان أمك وعطفها ورعايتها تنقذ من الخلود في النار ؟ لا والله .. فلو كان لكل واحد منا ألف أم بحنان أمه وعطفها ومتن في يوم واحد ما ينبغي أن يحزن عليهن أكثر من حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا فقدت ابنك , فإذا فقدت حبيبك , فإذا فقدت صديقك فتألمت وبكيت ثم زاد ألمك وزاد بكاؤك وزادت لوعتك بتذكر عونه ومساعدته وعطفه وبره وصلته , فاعلم والذي لا إله إلا هو أن كل ذلك لن يبلغ ما قدمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم من هدى ونور تدخلك بعون الله جنات عرضها السموات والأرض لتخلد فيها وتنعم.
نعم , نمتع بعون الأبناء وعطفهم سنوات سرعان ما تمضي لكن التمتع في الجنة لا نهاية له ولا آخر.
أفلا يستحق رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أن نحزن على موته أكثر ممن سواه ؟ ونتعزى به عن فراق من سواه ونذكره فنتمسك بسنته , ونمضي على شرعته , لننعم بعدها بصحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .. ولعل من فقدته في ركبهم وعندها يجمع الله الشتيتين.
أيها المصاب تذكر هذا جيداً لتحس بمصيبة فقده صلى الله عليه وسلم فتهون مصيبتك.
ثم تساءل : ماذا لولا ما حباك الله به من هديه وسنته ؟ ماذا لو دخلت النار أجارك الله ؟ ماذا لو حرمت الجنة أعاذك الله ؟ ماذا لو عُذّبت في القبر حماك الله؟ من الذي ينفعك ؟ ومن الذي ينقذك ؟ الأحباب ؟ الأصحاب ؟ الأبناء ؟ الأحفاد ؟ لا والله .. إلا الإخلاص في إتباع هديه صلى الله عليه وسلم ..
فاصبر لكل مصيبةٍ وتجلّد......... واعلم بأن المرء غير مخلّدِ
واصبر كما صبر الكرام فإنها...... نوبٌ تنوب اليوم , تُكشف في غدِ
أو ما ترى أن المصائب جمة ؟..... وترى المنية للعباد بمرصدِ
من لم يُصب ممن ترى بمصيبةٍ ؟ ... هذا سبيلٌ لست عنه بأوحدِ
فإذا ذكرت مصيبةً ومصابها ....... فاذكر مصابك بالنبي محمدِ