عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 44  ]
قديم 2011-03-07, 12:18 PM
الفجـــر
عضو موقف من قبل إدارة المنتدى
الصورة الرمزية الفجـــر
رقم العضوية : 98347
تاريخ التسجيل : 30 - 12 - 2009
عدد المشاركات : 16,374

غير متواجد
 
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم

كشف الكربة عند فقد الأحبة

الحمد لله المنفرد بالبقاء والقهر , الواحد الأحد ذي العزة والستر , لا ندّ له فيبارى , ولا شريك له فيدارى , كتب الفناء على أهل هذه الدار , وجعل الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار , قدر مقادير الخلائق وأقسامها , وبعث أمراضها وأسقامها , وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً , جعل للمحسنين الدرجات , وللمسيئين الدركات.
فحمداً لك اللهم مفرج الهموم ومنفس الكروب ومبدد الأشجان والأحزان والغموم , جعل بعد الشدة فرجاً وبعد الضر والضيق سعة ومخرجاً لم يُخلِ محنة من منحة ولا نقمة من نعمة ولا نكبة ورزية من هبة وعطية , نحمده على حلو القضاء ومرّه , ونعوذ به من سطواته ومكره , ونشكره على ما أنفذ من أمره , وعلى كل حال نحمده.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عدة الصابرين وسلوان المصابين , الكريم الشكور , الرحيم الغفور , المنزه عن أن يظلم أو يجور , الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور , ثم الذين كفروا بربهم يعدلون , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون.
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه أعرف الخلق به , وأقومهم بخشيته , وأنصحهم لأمته وأصبرهم لحكمه وأشكرهم على نعمه , أعلاهم عند الله منزلة وأعظمهم عند الله جاهاً , بعثه للإيمان منادياً , وفي مرضاته ساعياً , وبالمعروف آمراً وعن المنكر ناهياً , بلغ رسالة ربه وصدع بأمره , وتحمل ما لك يتحمله بشر سواه , وقام لله بالصبر حتى بلّغه رضاه , دعانا إلى الجنة وأرشدنا إلى إتباع السنة , وأخبر أن أعلانا منزلة أعظمنا صبراً , من استرجع واحتسب مصيبته كانت له ذخراً ومنزلة عالية وقدراً , وكان مقتفياً هدياً ومتبعاً أثراً.
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وأزواجه وذرياته الأخيار وسلم تسليماً كثيراً متصلاً مستمراً ما تعاقب الليل والنهار.
{ يَا أيُّها الذِينَ آمنُوا اتّقوا الله حقَّ تُقاتِهِ ولا تموتُنّ إلا وأَنتُم مسْلِمُونَ }
أما بعد : فإن الله جعل الموت محتوماً على جميع العباد من الإنس والجان وجميع الحيوان فلا مفر لأحد ولا أمان , كل من عليها فان , ساوى فيه بين الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثى والغني والفقير وكل ذلك بتقدير العزيز العليم: ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و الحازم من بادر بالعمل قبل حلول الفوت , والمسلم من استسلم للقضاء والقدر , والمؤمن من تيقن بصبره الثواب على المصيبة والضرر.
أيها الأحبة ، كرب الزمان وفقد الأحبة خطب مؤلم , وحدث موجع , وأمر مهول مزعج , بل هو من أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان نار تستعر , وحرقة تضطرم تحترق به الكبد ويُفت به العضد إذ هو الريحانة للفؤاد والزينة بين العباد , لكن مع هذا نقول:
فلرب أمر محزن لك في عواقبه الرضا ***** ولربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا
كم مغبوط بنعمة هي داؤه , ومحروم من دواء حرمانه هو شفاؤه , كم من خير منشور وشر مستور , ورب محبوب في مكروه , ومكروه في محبوب:
( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
لا تكره المكروه عند حلوله ****** إن العواقب لم تزل متباينة
كم نعمة لا يستهان بشكرها ***** لله في طي المكاره كامنة
لو استخبر المنصف العقل والنقل لأخبراه أن الدنيا دار مصائب وشرور , ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكدر , فما يُظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب , وعمارتها وإن حسنت صورتها خراب , والعجب كل العجب في من يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللدغ واللسع ؟!
وأعجب منه من يطلب ممن طُبع على الضر النفع ..
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها ........ صفواً من الأقذار والأكدارِ
إنها على ذا وضعت , لا تخلو من بلية , ولا تصفو من محنة ورزية , لا ينتظر الصحيح فيها إلا السقم , والكبير إلا الهرم , والموجود إلا العدم ..
وعلى ذا مضى الناس , اجتماع وفرقة ....... وميت ومولود , وبشر وأحزان
والمرء رهن مصائب ما تنقضي ........ حتى يُوسّد جسمه في رمسه
فمؤجل يلقى الردى في غيره .......... ومعجّل يلقى الردى في نفسه
هل رأيتم .. بل هل سمعتم بإنسانٍ على وجه هذه الأرض لم يصب بمصيبة دقت أو جلت ؟
الجواب معلوم : لا وألف لا , ولولا مصائب الدنيا مع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس.
كما قال أحد السلف ..
ثمانية لا بد منها على الفتى ........ ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم , واجتماع وفرقة ......... وعسر ويسر , ثم سقم وعافية
لهذا كله أحببت أن أجمع هذه الكلماتٍ لطيفة في كشف كرب من أصيب بمصيبة , عنونتها بعنوان كتاب في هذا الموضوع هو "كشف الكربة عند فقد الأحبة".
راجياً من الملك الديان أن ينفعني بها وسائر الأخوان , ويجعلها تذكرة لأولي الألباب , وتسلية وعزاء لكل مؤمن محزون مصاب , تشرح صدره وتجلب صبره , وتهون خطبه وتخفف أمره ويلحظ بها ثوابه على الصبر وأجره , والله تعالى هو المسؤول أن يجعل لي ولها القبول لا رب غيره ولا إله سواه هو المأمول , وأحتسب عند الله ثواب من تسلى بهذه الكلمات وأسأله الدعاء بأن يثبتني الله في ساعة فقري وحاجتي , وأن لا يحرمني ثواب هذه الكلمات , فالمصاب حقاً من حرم الثواب , نفع الله بها وأثاب , إنه الكريم الوهاب , اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً , وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً .