لماذا لا نتأثر بالموعظة بعد مرور وقت عليها ؟؟
• فصل : تفاوت الناس في تقبل المواعظ
قد يَعْرِض عند سماع المواعظ للسامع يقظة ،
فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القساوة و الغفلة !
فتدبرت السبب في ذلك فعرفته .
ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك ،
فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظة عند سماع الموعظة و بعدها
لسببين :
أحدهما : أن المواعظ كالسياط ، و السياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها مثل وقت وقوعها .
و الثاني : أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلّة ، قد تخلى بجسمه و فكره عن أسباب الدنيا ، و أنصت بحضور قلبه ،
فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها ، وكيف يصح أن يكون كما كان ؟ .
و هذه حالة تعم الخلق إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر :
فمنهم من يعزم بلا تردد ، و يمضي من غير التفات ، فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا ، كما قال حنظلة عن نفسه : نافق حنظلة !
و منهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحياناً ، و يدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً ، فهم كالسنبلة تميلها الرياح !
و أقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه ، كماء دحرجْتَه على صفوان .
.
.
.
.
ابن الجوزي - صيد الخاطر