الوسيلة الثالثة: كتاب الله
((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... )) (الاسراء: من الآية9). الجن عندما سمعوا قول الله: ((...إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)) (الاحقاف: من الآية30)
معرفة الله عن طريق كتابه، سأضرب لك مثلاً: إن قمت بزيارة للجامعة، ستشعر بعظمة هذا المكان، ولكن لا بد أن تحصل على كتيب يعرفك بنظام الجامعة، ورئيسها، وأساتذتها، ومناهج الدراسة..... إلخ، فالله سبحانه وتعالى جعل لك طريقين لتصل إليه: العقل والوحي، العقل بالنظر في الكون فتعرف أن الله عظيم، ولكن كيف ستعرف منهجه؟ فيأتي الوحي.. فهو غرس في فطرتك الهداية، ثم أعطاك العقل، فهل نرى التكامل بين العقل والوحي؟ فأنت إن عرفت الله عن طريق الكون فأنت محتاج إلى منهج يكون عن طريق كتاب يهديك إلى الطريق فيتكامل العقل والوحي..
فكيف تقول بعد كل هذا أن الله لم يهدك؟ فهو يهديك أيضاً عن طريق خلقه، لذلك فإن الله يوصي المؤمنين أن أحسن ثواب في الدنيا أن تدعو إلى الله، انظر إلى الآية: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ... )) (فصلت: الآية33). فهل هناك بعد كل هذا حجة لمن هو بعيد عن الله بأن الله لم يأذن؟ فهو أذن لك من قبل أن تخلق، مسكوب في فطرتك مثل الماء ساعة الإفطار(( ...فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ )) (الروم: الآية30).
الطريق موجود منذ أن خُلقت، ألم يرسل لك القرآن؟ ويرسل لك ناس يسخرهم ويحببهم أن يدعوك..
الوسيلة الرابعة: الدعوة إلى الله:
ابن القيم يقول: اعلم أن أعلى مقامات العبودية مقام الدعوة إلى الله؛ لأنه مقام الأنبياء، لأنهم يدلون على الله فهم أحباب الله فهم أقرب الناس إلى الله، لأنهم يدلون على الهادي سبحانه وتعالى.
أن تأخذ بيد أحد إلى الله في رمضان، ويكون شكر منك لله بنعمته عليك برمضان تنال بها عتق الله لك من النار((...لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)) (ابراهيم: من الآية7). فالهادي يطلب من عباده أن يأخذوا بأيدي الناس.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لئن يهدي الله بك الله رجلاً خير لك مما طلعت عليك الشمس..
فالله سبحانه سخر لنا كل هذه الوسائل حتى لا يأتي أحد يوم القيامة يقول أنه لم تصل له طرق الهداية، حتى فرعون أمر الله سيدنا موسى أن يدعوه برفق.
حديث النبي: من دل على الخير فله مثل أجر فاعله. فإن اهتدى شخص عن طريقك فكل حسناته في ميزانك يوم القيامة.
هل رأينا كيف أن الهادي يدل الناس عليه؟
يدل عليه بالفطرة التي فطرك عليها، بالقرآن، بالكون، بأناس يهدونك.
هداية عن طريق أفعاله معك
من لم ينظر إلى الكون، ولم يجد من يأخذ بيده، ولم يقرأ القرآن، وغائب عن فطرته، سأعطيه أمثلة كيف أن الهادي سبحانه وتعالى يأخذه إلى الطريق:
عمر بن الخطاب وكان أحد الصحابة يقول عنه: والله لا يسلم عمر حتى يسلم حمار الخطاب..
انظر كيف تأتي الهداية بالتدريج.. يذكر سيدنا عمر بن الخطاب قصة هدايته بعد إسلامه فيقول: كنت شديداً على المسلمين، وكنت أعذب جاريتي المسلمة هي شديدة الصلابة في الإيمان، وكانت تقول لي: انظر كيف أتعبك الله وثبتني، يقول: فوقع في قلبي شيء. ثم قال: سمعت أن النبي كان يدعو لي: اللهم أعزّ الإسلام بأحد العمرين، فوقع في قلبي شيء. ثم قال: جئت ليلة كنت أشرب فيها الخمر حتى الصباح فبحثت عمن يشرب معي فلم أجدهم.. فقلت أذهب إلى فلان الخمار، فذهبت إليه فلم أجده، فقلت أين أذهب؟ فوقع في قلبي أن اذهب إلى الحرم. فذهبت فإذا بالنبي واقف عند الحرم يصلي وحده فجئت من خلفه دون أن يشعر بي وقلت أستمع ماذا يقول، والنبي يقرأ القرآن، فوقع في قلبي القرآن ثم قلت هذا كاهن، ثم إن النبي لا يراني، فإذا بالآية ((وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ... ))(الحاقة: من الآية42) فيقول عمر: فارتجفت، فقلت: إذاً شاعر فقرأ النبي الآية التي بعدها: ((...وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ )) (الحاقة: من الآية41) يقول فوقع في قلبي يومها الإسلام.
الدعوة بشدة تجعل الشيطان يمنع صاحبه من أن يسمع كلام من يريد أن يهديه، ولكن الدلالة على الخير برفق تأتي بالنتيجة المرجوة.
أحياناً يهديك الهادي سبحانه بإشارة: عبد الله بن مسعود مر بجانب ناس في مجلس خمر، فسمع صوت أحدهم وهو يغني، فيقول لشخص يسير بجانبه ما أجمل هذا الصوت لو كان بالقرآن... فعلم هذا المغني بما قاله ابن مسعود وقال : والله هذه إشارة من الله إليّ، فجرى إلى ابن مسعود وقال له: هل تأذن لي أن أتبعك وأتعلم القرآن!! فصار ممن يُعلمون الناس القرآن عن ابن مسعود.
الله يريدك أن تدخل الجنة، أحياناً يهديك بكلمة، أحد الكفار ذهب إلى مكة وكان ذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فحذره أهل قريش من الإقتراب من سيدنا محمد زاعمين أن النبي معاذ الله فيه مس من الجن، وكان هذا الرجل يعالج من الجن فقرر أن يذهب إلي النبي؛ ليعالجه من المس. فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن أخي قل لي مما تشتكي فإني أعالج من الجن وقد علمت أنه قد أصابك جن -انظر إلى دعوة النبي برفق- فقال له النبي نعم فاسمع مني: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.. فقال الرجل أعد عليّ ما قلت، فأعادها عليه. فقال أعد عليَّ ما قلت. فأعادها عليه. فقال له الرجل: ما هذا الدين؟ قال: الإسلام. قال: وماذا يأمر؟ قال: بالصلاة وصلة الرحم. قال: فماذا أفعل لأدخله؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: أشهد أن لا إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
أحياناً يهديك برؤية، أو بموقف يضايقك.. تتعرض لأذى فتعود إليه، أحياناً يهديك إن لم يكن بك عناد. عمير بن وهب شديد الكراهية للمسلمين، سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول عنه: خنزير أحب إليّ من عمير بن وهب. بعد غزوة أحد كان عمير بن وهب يجلس مع صفوان بن المعطل في مكة محدثاً إياه أنه لولا أنه عليه ديون وله أولاد لأخذ سيفه ووضع فيه السم وذهب ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من صفوان إلا أن شجعه على الذهاب وقتل النبي بأن ضمن له أن يقوم على رعاية أولاده وأن يفي عنه الدين. فما كان منه إلا إن سم سيفه وذهب متجهاً إلى المدينة ، فيراه سيدنا عمر بن الخطاب فيقول: هذا لم يأت إلا لشر ويمسك به ولكن النبي يقول له: دعه يا عمر.. تعال يا عمير ماالذي أتى بك؟ فيقول: جئت من أجل أخي فهو مأسور عندكم في بدر، فيبتسم له النبي ويقول له: أهذا ما أتى بك يا عمير؟ فقال نعم، قال يا عمير اصدقني القول. قال نعم. قال: لا يا عمير بل جلست أنت وصفوان بن المعطل وحدكما وقلت لولا دين علي وألاد لي لذهبت لمحمد فقتلته. فقال لك: أولادك أولادي ودينك ديني. فقال عمير: أشهد أنك رسول الله.
فقال عمر: كان قبل أن يسلم خنزيز أحب إلي منه والآن هو أحب إليّ من بعض أولادي.
الهادي.. الهادي.. الهادي..ألم يؤثر كل هذا فيك؟ اذهبوا إلى الهادي.. الهادي جهز لكم الطريق.
رسالة للمتدينين، كلما زدت بعبوديتك له سيزيدك هدى، كلما زدت في العبادة سيقربك منه أكثر، وإن أنت أكثرت من القيام سيجعلك تشعر بحلاوة الإيمان، كلما زدت تقرباً إليه زادك قرباً أكثر وأكثر.. ((...إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً))(الكهف: من الآية13)
أكثروا من العبادة في رمضان، قيام، وعبادة، سيزيدكم وأنتم موقنين، هداية توفيق، والبعيدين عنه تقربوا منه لن يترككم، ويا من تريدون الثواب الكبير خذوا بأيدي الناس إلى الهادي برفق.
لماذا اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؟ أنت لو ركبت مع دليل في الصحراء وأخذك في طريق متعرج، ستشعر بالتعب، لماذا دائماً الله يضيف كلمة المستقيم إلى الصراط؟ لأن الطريق المستقيم طريق سهل خالي من التعرج، ودون تعقيد، وهو طريق الله الهادي.. الخط المستقيم هو أقصر خط بين نقطتين، طريق قريب غير بعيد، سهل ولا بد أن تصل فيه إلى الهدف. من أجل ذلك النبي في إحدى المرات عندما كان جالساً بين الصحابة قام برسم لوحة إرشادية على الرمل. يقولون: جلس النبي فخط لنا طريقاً مستقيماً وخط بجوار الخط المستقيم خطوط متعرجة وقال هذا صراط الله المستقيم وهذه هي السبل على رأس كل سبيل شيطان يدعو إليه.
فهل عرفنا لماذا الفاتحة كلها تدور على ((...الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: الآية6)؟ لأن بداية الفاتحة تمجيد لله تبارك وتعالى وذلك لتطلب منه الهداية للصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
ما هي مواصفات الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؟ ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) (الفاتحة: من الآية 7) فعندما ترددها في صلاتك تتذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا نوح، والصالحين في حياتك...
حديث جميل جداً يصف النبي به وسائل الهداية:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً على كتفي الصراط سوران في هذه الأسوار أبواب مفتوحة، على الأبواب سُتر مرخاة، وعلى رأس الصراط داع يدعو يقول: أيها الناس هذا هو الصراط فاسلكوه فإنه مستقيم. وفي الصراط داع كلما همّ رجل أن يدخل في الأبواب يقول له: لا تفتحه فإنك إن فتحته ولجته. -ثم قال النبي- فالصراط هو طريق الله الإسلام، والداع الذي يدعو هو كتاب الله يهدي إلى هذا الطريق والأبواب هي محارم الله، والداع الذي يدعو في الطريق هو الفطرة الوازع الذي جعله الله في ضمير كل مسلم.
إياك أن تفتح إحدى هذه الأبواب فتقع، اثبت على صراط الله، وعلى ما أنت عليه من الهداية في رمضان، وكلنا أصبحنا شاهدين على أنفسنا كيف عرفنا الله.. فاحذر بعد كل هذا أن تقع من على الصراط، إياك أن تفتح الستارة فتجد باباً ينزل بك إلى جهنم، فضميرك هو وازعك يحذرك من الوقوع إن أنت فتحت إحدى هذه الأبواب.
وهذه الأبواب:
باب الزنا: مكتوب عليه فن العشق والحب
باب المال الحرام: مكتوب عليه الفهلوة والشطارة
باب عليه ستارة سوداء مخدرات: مكتوب عليه كن رجل وجرب.
باب العري وكشف العورات: مكتوب عليه الموضة.
النقطة الأخيرة: الصراط المستقيم في الدنيا، هو نفسه الصراط الذي سنجتازه يوم القيامة، طريق واحد ممتد من الدنيا إلى يوم القيامة. يقول النبي: فمنهم من يمر على صراط الآخرة كطرفة العين ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كراكب الجواد، ومنهم من يمر زحفاً، ومنهم من يمر حبوا، ومنهم من تأخذه خطاطيف الصراط فيتعلق بالصراط. فالصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف وتحته نار جهنم ومظلم. فإن أردت أن تمر عليه كطرفة العين فسر على الصراط المستقيم في الدنيا مثل ما أمرك الله الهادي.. ومن لم يمش على الصراط المستقيم في الدنيا فسيقع من على الصراط في الآخرة ويهوى في نار جهنم سبعين خريفاً
.................................................
Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخري فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع