[CENTER]][®][^][®][أَكُلُّ مَنْ جَاءَ مِنَ الصَّحراءِ أخوكِ يا زهراء !!!؟][®][^][®][
.
" أكلُّ مَنْ جاء من الصّحراء أخوك يا زهراء؟!" .. مثلٌ استللته من الأمثال المتداولة هنا بتلمسان، و قيل في سببه أنّ امرأة لم يكن لها إلا أخٌ، تَغرَّب عنها إلى الصحراء، ثم انقطعت أخباره عنها، فاهتمّت لغيبته و اغتمّت، و أصابها من الحزن ما أصابها، و مع كل هذا لم تقطع حِبال آمالها بأوْبته، لكنّها ما إن تسمع بِمَقْدَمِ قادمٍ من الصحراء حتى تهبَّ إليه صارخة مستنجدة: أخي، أخي ! غير ناظرةٍ إلى وَصْفِهِ و فصله أو أصله حتّى قيل لها أَكُلُّ مَن جاء مِن الصحراء أخوك يا زهراء ؟ ! .
ما ذَكَرتُ هَذَا المثلَ تَفَكُّهًا أو إِجْمَاما للنّفسِ بالسوالف و النّوادر، فالزمنُ زمنُ جَدٍّ و ليس زمنَ هزلٍ و لعبٍ، و لكنّي رأيت حال بعضِ الأُمّة – رجاءَ أنْ لا يكون جُلُّهَا-كحالِ زهراء. أُمّةٌ ذهب عنها عِزُّها و مَجدُها، و استعدى عليها الأعادي، فعاشتِ الأحزانَ تكابدُها، و وقفت باكيةً على أطلال الماضي، و مع هذا لم يزل لها بصيصٌ من الآمال، لعلَّ تلك الأيامَ تعود عامرة بالعيش الرغد الهنيئ، حين تقهرُ أعاديها و تستردُ أمجادها، ما جعلها ما إِنْ تسمع بقائلٍ يقول: أنا الذي أصنع لكِ مجدا، أنا الذي أبني لكِ عزًّا، أنا الذي أعيدُ لكِ أيّامك الخوالي، حتّى تجري لاهثةً خلفهُ(1) ، غير ناظرةٍ إلى صِدْقِ دعواه، غير آبهةٍ لنصائحِ عقلاء القومِ بالتريثِ و التبصُّرِ، فهي لا تعرفُ إِن كان يريدُ أن يُشَيِّدَ لنفسه عِزًا أو لها، و لعلّه قد يصدقُ لكنّه لا يعرفُ له طريقا و لا يهتدي إليه سبيلا...
يا زهراء! استبيني أوصافَ أخيكِ، فليس كل من جاء من الصحراء أخٌ لكِ.
يا زهراء! أخوكِ عليه شامةٌ، معروفةٌ عنه بصحيح الآثار و السننِ.
يا زهراء! اتّق الله، فأنتِ ذاتُ عزٍ وقدرٍ، و الطامعون بك كثير، فكُونِي على حذر.
يا زهراء! ما نحنُ مُعاتِبوكِ إلاَّ خوفًا عليكِ، فما أدرانا إن كان القادمُ قائما على قَدَمِ صِدْقٍ أو على غيرها، و نعلمُ أنَّكِ ما أردتِ إلاَّ خَيرا، لكنْ كم مِن مُريدٍ للخير لا يبلغه؟أمّتاهُ ! إيّاك من اثنتين كانتا في زهراء: سذاجة و عجلة.
أمّتاهُ ! لا تَتَّبِعي كل إِمَّعَة لا دينَ له، فلن تسمعي منه عِند استشرافِ الخيبة و الخسارة إلاَّ قوله: يداكَ أَوْكَتَا و فُوكَ نَفَخَ (2).
أمّتاهُ ! الوعدُ حقيقةٌ ليسَ بسرابٍ، نصرُ اللهِ و تمكينُه آتٍ لا مِرْيَةَ فِيهِ، و واقعٌ ما له من دافعٌ، فقد نطق به الصادقُ المصدوقُ صلواتُ ربِّي و سلامهُ عليه فيمَا صَحَّ عنهَ من حديث أبي بن كعب ــ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بَشِّرْ هذه الأمَّةَ بالسَّناء والدِّين والرِّفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لَم يكن له في الآخرة من نصيب" [ رواه أحمد] فَبِقدرِ مَا أدعوكِ للتفاؤلِ بالبشائرِ التي زواها هذا الأثر بِقَدْرِ مَا أدعوكِ للتأملِ إلى قوله عليه الصّلاة و السّلام :" ...فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب" فيهِ إشارةٌ إلى صفاوةِ المعتقدِ، و نقاوةِ السريرةِ، و رجاءِ ما عندَ اللهِ في الآخرةِ... و سامِحينَا إن قلناها لك صريحةً أنّهُ لا سناءَ و لا رفعةَ و لا نصرَ و لا دينَ و لا تمكينَ لِمنْ لَم يَكن ما في صدره مُحرَّرًا مِنْ كُلِّ عُقدةٍ شِركِيّةٍ، أو تَبَعِيّةِ غَوِيّةٍ، أو عَصَبِيَّةٍ عَمِيّةٍ، أو مصلحةٍ دَنِيَّةٍ...
أمّتاهُ ! لن نَسكتَ عن توحيدٍ تُدْرَسُ مَعَالِمُهُ، حتّى ولو كنّا نَسِير لإحقاقِ ذروة سَنَامِ هذا الدِّين، و لن تأخذنا فيه لومة لائم، لأنّ لنا فيه سلفٌ و أَكْرِم به مِن سلفٍ ! .
رسولُ الله صلى الله عليه و سلم يسيرُ بجيوشه لإعلاءِ كلمةِ اللهِ، فيَلمحُ سُدُسَ الجيشِ و قلبهُ معلَّقٌ بذاتِ أنواطٍ، فيشتدُّ و يعلو صوتُه ليقطعَ جَهيزةَ كُلَّ خطيبٍ أو صحفيٍ أو محلِّلٍ يريد رَدْمَ التَوحِيدِ حَتَّى و لو في دقائقِ فُصُولِهِ(3) ، و ليُصَفِّيَ القلوب من كلِّ دَخَنٍ يُصيبها قبلَ أنْ يُكمِلَ المَسِيرَ:" الله أكبر! إنها السنن، لقد قلتم و الذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة" فهل سَكتَ رسولُ ربِّ العالمين لنسكتَ نحنُ؟!
فبِاللهِ عليهِم نحن سائلوهُم، منْ سَلفُهم فيما يزعُمُون من رَدْمِ التوحيد عندَ المُعْضِلاَتِ؟
أمْ أنَّ أصحاب الفُلْكِ (4) كانوا على تفقه و بصيرةٍ مِنهُم ! فقد عَلِمُوا ما لم يعلمه القومُ.
أمَّتَاهُ ! لن نَسكُتَ عن جفوة عن الاِتِّباع، و لا عن نُبَوَةٍ لا تُطَاعُ، و إلا سنُهزمُ أمام أدنى كتيبةٍ، فضلاً عن أُمِّهَا؟ هذا حتَّى و لو كان فينا الصَّالحونَ، و ما خَبَرُ غزوةُ أُحُدٍ عنَّا ببعيدٍ، وَ فِيهِم مَنْ فِيهِم، فِيهِم رَسُول الله صلى الله عليه و سلَّم و خيْرُ النَّاسِ مِن بَعدِهِ، فلمْ يُغْنِ هَذَا عِندَ اللهِ مِن شَيءٍ، فكيف بنا نحنُ و ما فينا مَنْ فِيهِم ؟ فكيفَ يصنعُ لكِ العِزَّ مَنِ الذُُلُّ و الصَغَارُ مُلازِمٍ لَهُ لاَ يُفَارِقُهُ مَا لم يَزَلْ على مُشاقَقَةِ الرسولِ :" ... وَ جُعِلَ الذِلَة و الصَغَارُ على مَنْ خَالَفَ أَمرِي" (5) . إِنَّ لكِ في هذا عِبرةً لو كنتِ تعتبرِينَ.
أُمّتاهُ ! أيُّ دَعوةٍ يُرِيدُونَهَا لكِ ؟ " و ما حُجَّتُهُم إلاَّ المَقُولاتُ الباطلةِ:
لا تُصدِّعوا الصفَّ مِن الدَّاخل!
لاَ تُثِيرُوا الغُبارَ مِنَ الخَارج!ِ
لاَ تُحَرِكُوا الخلاف بين المسلمين!
( نلتقي فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه).
و أضعفُ الإِيمانِ أن يُقال لهؤلاء: هلْ سكتَ المُبطلونَ لنَسكُتَ نحنُ، أم أنَّهم يُهاجِمُون الإعتقادَ على مرأى و مسمعٍ و يُطلَبُ السُكوت ؟ اللّهم لا..." (6)