سوء الظن بالناس
يغلب على البعض من الناس اليوم خُلُق ذميم ربما ظنوه نوعاً من الفطنة وضرباً من النباهة ، وإنما هو غاية الشؤم ؛ بل قد يصل به الحال إلى أن يعيب على من لم يتصف بخُلِقه ويعده من السذاجة ، وما علم المسكين أن إحسان الظن بالآخرين مما دعا إله ديننا الحنيف .
فالشخص السيئ يظن بالناس السوء ، ويبحث عن عيوبهم ، ويراهم من حيث ما تخرج به نفسه .
أما المؤمن الصالح فإنه ينظر بعين صالحة ونفس طيبة للناس ، يبحث لهم عن الأعذار ، ويظن بهم الخير .
قال تعالى :{ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً (28) } سورة النجم .
وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسئ الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف ، فإن هذا عين الكذب .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث " . أخرجه البخاري ومسلم .
وقال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ... } سورة الحجرات آية 12
وحسن الظن راحة للفؤاد وطمأنينة للنفس ، وهكذا كان دأب السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ .
قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ :" لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراً ، وأنت تجد لها في الخير محملا " .
وقال ابن سيرين ـ رحمه الله ـ :" إذا بلغك عن أخيك شئ فالتمس له عذرا ، فإن لم تجد له ، فقل : لعل له عذراً لا أعرفه " .
وروي عن الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ حينما مرض وعاده إخوانه ، فقال له أحدهم : " قوى الله ضعفك " ، قال الشافعي :" لو قوى ضعفي لقتلني . قال :" والله ما أردت إلا الخير " . قال الشافعي :" أعْلَمُ أنك لو سببتني ، ما أردت إلا الخير " .
فهكذا الإخوة الحقيقة إحسان الظن بالإخوان فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير .
كان سعيد بن جبير يدعو ربه ، فيقول :" اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك " .
وعن عبدالله بن عبيد بن عمير عن أبيه قال : " قال موسى ـ عليه السلام ـ يارب يقولون بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فبم قالوا ذلك ؟ قال : إن إبراهيم لم بعدل بي شئ قط إلا اختارني عليه ، وإن إسحاق جاد لي بالذبح وهو بغير ذلك أجود ، وإن يعقوب كلما زدته بلاءً زادني حسن ظن " .
وعن الفضيل بن عياض عن سليمان عن خيثمة قال قال عبدالله :" والذي لا إله غيره ما أعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيرا من حسن الظن بالله تعالى " .
إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها عل ذلك ، خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم ، وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين .
قال أبر هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" حسن الظن من حسن العبادة " .
رواه الحاكم وأحمد في مسنده .
فعودي نفسك أختي الكريمة على إحسان الظن بالآخرين ، واسألي الله العون في ذلك ، وأعلمي أن سوء الظن لا يتعب إلا صاحبه ، فهو في صراع نفسي دائم ، قد لا يشعر به من حولك .
رزقني الله وإياكِ حسن الظن وحسن العبادة ...