ثالثًا : الدعاء والتسبيح والصلاة :
والدعاء منه ما يكون وقائيًا، ومنه ما يكون علاجيًا, فالدعاء الوقائي , كقوله عليه الصلاة السلام :
( االلهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والجبن والبخل ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال)
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6369
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
]
والذي يؤمن بهذا الحديث وأمثاله ويعمل بها، والذي إذا أصابه هم فقرأها، فإن الله سبحانه سيزيل عنه الهم والحزن ... ويقول سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام وقد ضاق صدره وحزن لكلام الكفار عليه : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) . فتسبيح الله عز وجل من الأشياء التي تزيل الهم والحزن .
رابعًا : تقدير أسوأ الاحتمالات والنظر إلى من هو أسوأ حالاً :
وهذه قضية يستعملها الأطباء النفسيون، ولكن نبينا وحبيبنا عليه السلام استخدمها قبلهم, كما في حديث خباب بن الأرت .. عندما كان الصحابة في مكة يضطهدون ويسامون العذاب الشديد على أيدي الكفار ، فجاء خباب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متوسدًا بردة في ظل الكعبة، وقال له : ألا تستنصر لنا ...؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال عليه الصلاة و السلام : ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ؟ فقال : ( قد كان من قبلكم ، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ) .
الراوي: خباب بن الأرت المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6943
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
فهذه طريقة في العلاج النفسي، إذا أتاك إنسان أصيب بمصيبة، فقل له : هناك أناس أصيبوا أكثر منك .
فمثلاً : إذا كان قد مات ولده في حادث، فيقال له : هناك أناس ماتت العائلة كلها، أو أن في الناس من ماتت زوجته وأولاده وفقد كل ممتلكاته .
وهذا يعني أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة فإنه ينبغي عليه أن ينظر إلى من هو أسوأ حالاً منه فيقول : الحمد الله , أنا بخير .. فالفقير ينظر إلى من هو أفقر منه فيدرك نعمة الله عليه، ويصلح هذا في أي أمر من الأمور الدنيوية .
خامساً : الواقعية في النظر إلى الحياة والشمولية، والبعد عن نظرة الكمال الخيالية :
إن هناك بعضاً الناس يكتئبون , لأنهم يفكرون خطأ .. وبالطبع فإن المكتئب يفكر بشكل خاطئ، ولكن المقصود من النظرية أن من الناس من يصبح مكتئباً بسبب الخطأ في التفكير وهذا أمر واقع أحياناً .. إذ أن لبعض الناس نظرة خيالية, فأحدهم يقول : أنا لا يمكن أن أكون سعيدًا إلا والناس من حولي راضون عني والموظفون الذين معي ينبغي أن يكونوا راضين عني , فهذا أمر غير واقعي, إذ لا بد من وجود أناس راضين عن هذا الشخص وأناس غير راضين عنه، وهذا أمر واقعي يعيشه كل الناس، ولو أنه فكّر بواقعية وتذكر أن إرضاء الناس كلهم غاية لا تدرك، لعاش حياته مطمئنًا مرتاح البال من هذه الناحية; وذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في كتاب ( الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ) حول موضوع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا يفركن مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منها غيره )
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7741
خلاصة حكم المحدث: صحيح ]
قال الشيخ عن هذا الحديث : (( فيه الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب وكل من بينك وبينه علاقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك، أو ما ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة وما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ، وملاحظة المحاسن تدوم الصحبة والاتصال، وتتم الراحة وتحصل لك)) .
سادسًا : تقديم حسن الظن :
وهي نفس قضية : أن النظرة الإيجابية ينبغي أن تقدم على النظرة السلبية .. فالإنسان الذي يسيء الظن بالآخرين هو الذي يتضايق ..
مثال ذلك : شخص مرّ على آخر يعرفه فلم يسلم عليه, فيبقى الآخر متضايقاً حزيناً متسائلاً : لماذا لم يسلم عليّ ..؟! لا بد أنه يكرهني ... أو كذا .. أو كذا ... ويبدأ يسيء الظن , مما يؤدي به إلى حزن يوم أو يومين أو حتى أكثر، ولو أنه أحسن الظن منذ البداية وقال لنفسه : (( ربما لم يرني )) أو غير ذلك من الأعذار لما أصابه الحزن .
ولذا قال سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ) .. [ الحجرات : 12 ]
فهذا الاجتناب لأجل راحتنا نحن .. فنحن الذين نطمئن إذا أحسنا الظن ،مع ملاحظة أن إحسان الظن لا يعني القابلية للانخداع، كما جاء عن عمر رضي الله عنه .. يقول : ( لست بالخب ولا الخب يخدعني ) فهو ليس مكاراً ولا يخدع الناس، ولكنه أيضًا لا يخدع, إذ إنه منتبه تمامًا .. ولذلك فالأمر المرفوض : هو تقديم سوء الظن وتقديم الاستنباطات الاعتباطية .
سابعًا : كيفية التصرف حيال أذى الناس :
الناس قد يؤذونك وخاصة بأقوالهم السيئة، فلا بد لك أن تعلم بأن هذا الأذى يضرهم ولا يضرك، إلا إذا أشغلت نفسك بأقوالهم فعندها ستتضايق، وإن أهملتها فستكون مرتاحًا . لماذا .....؟
لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
أتدرون من المفلس ؟ قالوا : يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار
الراوي: - المحدث: الهيتمي المكي - المصدر: الزواجر - الصفحة أو الرقم: 1/181
خلاصة حكم المحدث: صحيح ]
إذاً : الذي يغتابني ويسبني ويتكلم علي هو في الحقيقة يعطيني من حسناته ويحسن إلي ، فجزاه الله خيرًا .. ولذلك ينبغي أن أشكره على هذا الأمر .. فإذا قال لك شخص كلامًا يؤذيك ، فاتركه واذهب ، فهو الذي سيتضايق ويغتاظ( قل موتوا بغيظكم ). [آل عمران : 119 ]
ثامنًا : الأمل :
إن باب الأمل مفتوح وهذا يبعد الضيق والحزن عن الإنسان ؛ وليتذكر الإنسان قوله سبحانه وتعالى :
( فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا ) . [ الشرح : 5،6 ]
وهذا يعني أنه ما من عسر يأتي إلا ويأتي بعده اليسر .. ويقول سبحانه : ( سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا ). [ الطلاق : 7 ]
فكلما اشتدت عليك الأمور فاعلم أن الفرج قد اقترب ..
اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا يا عليم, اللهم اشف صدورنا من الغل والحسد, وقنا شر أنفسنا ياعزيز يا وهاب .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..........
من كتاب الحزن والاكتئاب في ضوء الكتاب والسنة
تأليف د / عبد الله الخاطر رحمه الله تعالى
التعديل الأخير تم بواسطة aiii i3asel ; 2010-12-25 الساعة 11:23 PM.
سبب آخر: توثيق الحديث بارك الله فيك ...
|