وهذا رجلٌ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم نذرَ أنْ ينحرَ إبلاً بمكانٍ يُطْلَقُ عليه ( بوانة ) فقالَ له صلَّى الله عليه و سلَّم : " هل كانَ فيها وثنٌ مِنْ أوثانِ الجاهليَّةِ يُعْبَدُ ؟ "قالَ : لا . قالَ : " فهل كانَ فيها عيدٌ مِنْ أعيادِهم " قالَ : لا . فقالَ صلَّى الله عليه و سلَّم" أوْفِ بنذْرِكَ ، فإنه لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةِ الله " ، فدلَّ هذا الحديثُ على أنَّ الذَّبحَ و التَّقرُّبَ إلى الله في أماكنِ أعيادِهم معصيةٌ ، و هذا مضمونه إبطالُ عيدِهم و تحريمه ، و لذلك منعَ الفاروقُ المسلمينَ مِنْ مشاركةِ المشركينَ في أعيادِهم فقالَ : ( لا تتعلَّموا رطانةَ الأعاجمِ ، و لا تدخلوا على المشركينَ في كنائسِهم في يومِ عيدهمِ ، فإنَّ السَّخط تنزل عليهم ) .
إننا نوجِّه هذا ( التَّأصيل العقديّ ) إلى أصحابِ الأقلامِ الذين ارتضعوا مِنْ ثدي العَلمانيَّةِ النَّاقصةِ و تربَّوا في حجْرِها فـ ( قاءتْ ) أقلامُهم سُمّاً زُعَافاً ، و كتبوا تعاطفاً مع أحبابِهم و إخوانِهمُ النَّصارى استنكاراً -كما زعموا - على أهلِ الشَّرعِ الذين يمنعونَ المشاركةَ في احتفالاتِ أعيادِ النَّصارى في رأسِ السَّنةِ ، و هم لا زالوا - مِنْ حيثُ يعلمونَ أو لا يعلمونَ - يضربون ( بغباءٍ مُفْرِطٍ ) و ( انهزاميَّة ممجوجة ) على وَتَرِ ( التَّسامح الدِّينيّ ) فدافعوا دفاعَ المستميتِ عنْ دياناتِ الكُفْرِ و دُعَاةِ الضَّلالةِ ، و لم نقرأ لهم بالمقابلِ كلمةَ حقٍّ في الدِّفاع عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم حين تعرَّض له أحبابُهم بالاستهزاءِ و الانتقاصِ ، أفهكذا يهونُ عليكم مقامُ النُّبوَّةِ فتكونونَ صُمّاً بُكْماً عُمْياً لا تبالونَ ؛ ثم تغارونَ بالمقابلِ زُوراً و بهتاناً على المشركينَ النَّجَسِ ؟!
ها أنتم ( تتسامحون و تتعاطفون ) و هم ( يشركون و يسبُّون ) ، و هاأنتم ( تهنِّئون ) و هم لا يزالون يقتلون و يُبيدون ، فمتى تعوون و تعقلون؟!
و لعلَّ الحقيقةَ الغائبةَ عنْ أولئك القومِ هي أنَّ الأمرَ لا يقتصرُ على التَّهنئةِ و المشاركةِ بالأعيادِ و الحفلاتِ ، بل إنَّ الهدفَ أبعدُ مِنْ ذلك ، فإنهم لنْ يرضَوا منكم بشيءٍ حتى تكونوا مثلَهم و تتَّبعوا مِلَّتهم و تدخلوا جُحْرَ الضّبِّ معهم كما قالَ تعالى : ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) - سورة البقرة: من الآية 120 ، و قالَ صلَّى الله عليه و سلَّم : " لتتبعنَّ سُنَنَ مَنْ كانَ قبلكم حذو القذة بالقذة حتى و لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه " ، قالوا : اليهود و النَّصارى ؟ قالَ : " فمن " .
إنَّ ( التَّسامح ) لا يعني مطلقاً المداهنةَ و الرِّضا بالباطلِ و الكفرِ الصَّريحِ ، فهناك حدٌّ فاصلٌ بين التَّوحيدِ و الشِّركِ ، و الإيمانِ و الكفرِ ، و الولاءِ و البراءِ ، و الحقّ و المداهنة على حسابِ العقيدةِ و أصولِ الدِّينِ ، إنَّ أولئك الكتَّابَ بدعوتهم مشاركة النَّصارى بأعيادِهم يُحيونَ بدعةَ ( زمالة الأديان ) أو ( نظريَّة الوحدة ) تلك البدعة السَّيِّئة و الفكرة المنكرة الخبيثة التي نادى بها جمالُ الدِّين الإيرانيّ قديماً ، فهدمَ بها أصلَ الولاءِ و البراءِ ، و أزالَ الحدودَ الفاصلةَ بين الإسلامِ و غيرهِ مِنَ المِلَلِ و النِّحَلِ ، حتَّى صارَ الكلامُ حولَ هذه الأصولِ عند كثيرٍ مِنَ المسلمينَ و للأسفِ تشدُّداً و إرهاباً فكريّاً ، و هو في حقيقةِ الأمرِ ( برودة في الدِّين ) و ( مضادة لشرع ربِّ العالمين ) ، فإلى الله المشتكى !
سلسلة العلامتين