السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
فإن الله جل وعلا خلق المال وقسمه بين عباده ، وأضح لهم أنه زينتهم في دنياهم
فقال " المالُ والبنونَ زينةُ الحياة الدنيا "
وذكّرهم بالآخرة
فقال " والباقياتُ الصالحاتُ خير عند ربك ثوابا وخيرٌ أملا "
وجعل قيامه بينهم من أهم مصالحهم ، فلا تقومُ الحياة إلا به
فقال " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما "
وجعل حُبَّه غريزةً في نفوسهم
فقال " وتحبون المال حبا جما "
إن حاجة الأمة اليوم للمال عظيمة ، لتكون قويةً ولتصون نفسها عن ذلِّ أعدائها
ولقد جاءت طفرةٌ في عالم الأسهم هبّت رياحها على هذه البلاد ، وتُوِّجَ العام الذهبي قبلَ المنصرمِ ألف وأربعمائةٍ وخمسٍ وعشرين للهجرة النبوية بارتفاعٍ في الأسهم لم يسبِق له مثيل ، وبلغتِ القيمةُ السوقيةُ بخاناتِ تِلِرْيون بعد ما تجاوزت المليارات ، ودخل في هذا السوقِ من الناس الكثرةُ الكاثرة ، ولكنَّ هذا السوقَ فيه تلوّثٌ كبير وغش وتدليس وخداعٌ وإشاعات وأكاذيبٌ وخيانةٌ للأماناتِ وكشفٌ للأسرارِ واحتكارُ أشياء لا يجوزُ احتكارها وحركاتٌ غيرُ محسوبةٍ وتسريبٌ للمعلوماتِ مقابلَ أموالٍ ، لقد دخلت حمّى المضاربة فاجتاحت المجتمع ، حتى صارت حديثَ البيوتِ والرجالِ والنساءِ وطبقاتِ المجتمع من الأغنياء ومتوسطي الدخلِ وحتى الفقراء
وصارت الشاشات فتنةً للناس
وأصبحَ التشاؤم في اللون الأحمر والتفاؤل في اللون الأخضر ، ويشهد المجتمعُ ظاهرةَ التعلّقِ المحموم بهذه الأسهم والاهتمامِ الشديد بها ، حتى طغت على أداءِ الحقوق وأشغلت الناس عن متابعةِ أحوال إخوانهم المسلمين ، وصار بيعُ المدخارتِ والممتلكاتِ والتهادي بالأسهم ، وأخذِ القروض بأي طريقةٍ ، وسرتَ المجالسُ بالحديث في التفاخرِ بامتلاك الملايينِ بسبب اللَهَاثِ خلفَ هذه المضاربات ،
وقد اصبح أحسن المشاريع علاجا لمن أصبح ضحية الانهيارفي سوق المال : العيادات النفسية ، فقام سوق الجلطاتِ وأمراضُ الضغطِ والسكري ومراجعةُ المستشفيات وسياراتُ الإسعاف وحالاتُ الهلوسة ، وأصبح من الناس من يكلم نفسه كالمجنون ، وهذا الذي يصلي أمام الشاشات إدمانا لها ، وثلاثة عشرة جلطة أصابت ثلاثة عشر شخصا ، وازدهر سوق المستشفيات وعلت الناس النوباتُ والسكتات القلبية ، وكل ذلك بسبب الأسهم
وصدق الله
" إن الإنسان خلق هلوعا ، إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا "
إنه أمر ظاهر في سوق الأسهم اليوم ، هم وغم ونكد ، وضيق صدر وهلع ، وتسمع الأخبار العجيبة من أحوال الناس وما آلت إليه أمورهم ، ثم سوءٌ عجيب حصل في العلاقات الزوجية بسبب تتبع البورصة بحسب حال الألوان ، فاصطبغت الحياة بألوان المؤشرات وانعكست تلك الألوان على الأمزجة والعقول والنفوس فحصل الطلاق والفرقةُ وهدمُ البيوت وتشتت الأبناء وعانت الأمهات وتفرقت الأسرة ، فأي حال هذه التي ألقى بها هؤلاء أنفسَهم فيها
طيشان العقولِ عند نزول المؤشرات وهذه التأثيرات النفسية البالغة على النفوس والأرواح ، إنها كارثة خطيرة تجتاح المجتمع ، لا بد أن يتصدى لها أهل العلم والأخصائيون والاجتماعيون وعقلاءُ المجتمع ، فالمسألة ليست بهذه السهولة ، لأنها تحتاج إلى تأملات واستيضاح
ومهما ارتفع المؤشر فلا بد أن يهبط
وهذا هو مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم
" حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " [ رواه البخاري ]
احفظوا هذا الحديث جيدا " حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " وهذا أمر ثابت عند الله تعالى أن لا يرتفع شيء من أمور الدنيا إلا وضعه الله وحطّه وطرحه ، وذلك لهوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة فيها وحتى يتعلم الناس أنها لا تدوم
والله أعلم ..
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ... اللهم طيب أرزاقنا واجعلها حلالا يا أرحم الراحمين ، اللهم دلنا على الخير واستعملنا فيه وجنبنا الشر وابعدنا عنه اللهم اجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ...
المصدر :صيد الفوائد