جاءتني امرأة تستفسر مني عن حادثة حصلت معها ، إذ أخبرتني أن أحد السادة وهو السيد حسين الصدر كان قد تمتع بها قبل أكثر من عشرين سنة ، فحملت منه ، فلما أشبع رغبته منها فارقها ، وبعد مدة رُزِقَتْ ببنت ، وأقسمت أنها حملت منه هو إذ لم يتمتع بها وقتذاك أحد غيره .
وبعد أن كبرت البنت وصارت شابة جميلة متأهلة للزواج ، اكتشفت الأم أن ابنتها حبلى ، فلما سألتها عن سبب حملها ، أخبرتها البنت أن السيد المذكور استمتع بها فحملت منه ، فدهشت الأم وفقدت صوابها ، إذ أخبرت ابنتها أن هذا السيد هو أبوها ، وأخبرتها القصة ، فكيف يتمتع بالأم ، واليوم يأتي ليتمتع بابنتها التي هي ابنته هو ؟
ثم جاءتني مستفسرة عن موقف السيد المذكور منها ومن ابنتها التي ولدتها منه . إن الحوادث من هذا النوع كثيرة جداً ، فقد تمتع أحدهم بفتاة تبين له فيما بعد أنها أخته من المتعة ، ومنهم من تمتع بامرأة أبيه .
وفي إيران الحوادث من هذا القبيل لا يستطيعٍ أحد حصرها ، وقد رأينا ذلك بقوله تعالى : { ولْيَسْتَعْفِفِ الذين لا يَجِدون نِكاحاً حتى يُغْنِيَهَم اللهُ من فضلِه } ( النور 23 ) فمن لم يتمكن من الزواج الشرعي بسبب قلة ذات اليد فعليه بالاستعفاف ريثما يرزقه الله من فضله كي يستطيع الزواج .
فلو كانت المتعة حلالاً لما أمره بالاستعفاف والانتظار ريثما تتيسر أمور الزواج ، بل لأَرْشَدَهُ إلى المتعة كي يقضي وَطَرَهُ بدلاً من المكوث والتحرق بنار الشهوة .
وقال الله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانكُم مِن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ } إلى قوله تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لكمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رحِيم } ( النساء : 25 ) .
فأرشد الذين لا يستطيعون الزواج لقلة ذات اليد أن يتزوجوا ما ملكت أيمانهم ، ومن عجز حتى عن ملك اليمين ، أمره بالصبر ، ولو كانت المتعة حلالاً لأرشده إليها .
ولا بد لنا أن ننقل نصوصاً أخرى عن الأئمة عليهم السلام في إثبات تحريم المتعة :
ا - عن عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المتعة فقال : ( لا تُدَنِّسْ نفسَك بها ) بحار الأنوار 100/318 .
وهذا صريح في قول أبي عبدالله عليه السلام أَن المتعةَ تُدَنِّسُ النفْسَ ، ولو كانت حلالاً لما صارت في هذا الحكم ، ولم يكتف الصادق عليه السلام بذلك بل صرح بتحريمها :
2 - عن عمار قال : قال أبو عبدالله عليه السلام لي ولسليمان بن خالد : ( قد حُرِّمَتْ عليكما المتعة ) فروع الكافي 2/48 ، وسائل الشيعة 14/ 455 .
وكان عليه السلام يُوَبِّخُ أصحابه ويُحَذِّرُهُمْ من المتعة ، فقال : أما يستحي أحدُكم أن يرى في موضع فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه ؟ الفروع 2/44 ، وسائل الشيعة 14/ 450 .
3 - لما سأل علي بن يقطين أبا الحسن عليه السلام عن المتعة أجابه :
( ما أنت وذاك ؟ قد أغناك الله عنها ) الفروع 2/43 ، الوسائل 14/449 .
نعم إن الله تعالى أغنى الناس عن المتعة بالزواج الشرعي الدائم .
ولهذا لم يُنْقَلْ أَن أحداً تمتع بامرأة من أهل البيت عليهم السلام ، فلو كان حلالاً لفعلن ، ويؤيد ذلك أن عبدالله بن عمير قال لأبي جعفر عليه السلام ( يسرك أنَّ نساءَك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ؟ - أي يتمتعن - فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه ) الفروع 2/42 ، التهذيب 2/186 وبهذا يتأكد لكل مسلم عاقل أن المتعة حرام ، لمخالفتها لنصوص القرآن الكريم وللسنة ولأقوال الأئمة عليهم السلام .
والناظر للآيات القرآنية الكريمة والنصوص المتقدمة في تحريم المتعة - إن كان طالباً للحق مُحبّا له - لا يملك إلا أن يحكم ببطلان تلك الروايات التي تحث على المتعة لمعَارضتها لصريح القرآن وصريح السنة الة عن أهل البيت عليهم السلام ، ولما يترتب عليها من مفاسد لا حصر لها بَيَّنَا شيئاً منها فيما مضى .
إن من المعلوم أن دين الإسلام جاء ليحث على الفضائل وينهي عن الرذائل ، وجاء ليحقق للعباد المصالح التي تستقيم بها حياتهم ، ولا شك أن المتعة مما لا تستقيم بها الحياة ، إن حققت للفرد مصلحة واحدة - افتراضاً - فإنها تسبب له مفاسد جمة أجملناها في النقاط الماضية .
إن انتشار العمل بالمتعة جَرَّ إلى إعارة الفَرْجِ ، وإعارة الفرج معناها أن يعطي الرجل امرأته أو أَمَتَه إلى رجل آخر فيحل له أن يتمتع بها أو أن يصنع بها ما يريد ، فإذا ما أراد رجل ما أن يسافر أودع امرأته عند جاره او صديقه أو أي شخص كان يختاره ، فيبيح له أن يصنع بها ما يشاء طيلة مدة سفره . والسبب معلوم حتى يطمئن الزوج على امرأته لئلا تزني في غيابه ( !! ) وهناك طريقة ثانية لإعارة الفرج ، إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم وأرادوا إكرامه فإن صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدة إقامته عندهم فيحل له منها كل شيء ، وللأسف يَرْوون في ذلك روايات ينسبونها إلى الإمام الصادق عليه السلام وإلى أبيه أبي جعفر سلام الله عليه .
روى الطوسي عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت :
( الرجل يُحِلُّ لأخيه فرج جاريته ؟ قال : نعم لا بأس به له ما أحل له منها ) الاستبصار 3/ 136 .
وروى الكليني والطوسي عن محمد بن مضارب قال : قال لي أبو عبدالله عليه السلام : ( يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتُصيبُ منها ، فإذا خرجت فارددها إلينا ) الكافي ، الفروع 2/ 200 ، الاستبصار 3/ 136 .
قلت : لو اجتمعت البشرية بأسرها فَأَقْسَمَتْ أن الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام قالا هذا الكلام ما أنا بمصدق .
إن الإمامين سلام الله عليهما أجَلُّ وأَعظم من أن يقولا مثل هذا الكلام الباطل ، أو يبيحا هذا العمل المقزز الذي يتنافى مع الخلق الإسلامي الرفيع بل هذه هي الديَاثَة ، ولا شك أن الأئمة سلام الله عليهم ورثوا هذا العلم كابراً عن كابر فنسبة هذا القول وهذا العمل إليهما إنما هو نسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهو إذن تشريع إلهي .
في زيارتنا للهند ولقائنا بأئمة الشيعة هناك كالسيد النقوي وغيره مررنا بجماعة من الهندوس وَعَبَدة البقر والسيخ وغيرهم من أتباع الديانات الوثنية ، وقرأنا كثيراً فما وجدنا ديناً من تلك الأديان الباطلة يبيح هذا العمل ، وَيُحلهُ لأتباعه .
فكيف يمكن لدين الإسلام أن يبيح مثل هذا العمل الخسيس الذي يتنافى مع أَبسط مقومات الأخلاق ؟
زرنا الحوزة القائمية في إيران فوجدنا السادة هناك يبيحون إعارة الفُروج ، وممن أفتى بإباحة ذلك السيد لطف الله الصافي وغيره ، ولذا فإن موضوع إعارة الفرج منتشر في عموم إيران ، واستمر العمل به حتى بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوى ومجيء آية الله العُظْمَى الإمام الخميني الموسوي ، وبعد رحيل الإمام الخميني أيضاً استمر العمل عليه وكان هذا أحد الأسباب ([1]) التي أدت إلى فشل أول دولة شيعية في العصر الحديث كان الشيعة في عموم بلاد العالم يتطلعون إليها ، مما حدا بمعظم السادة إلى التبرؤ منها ، بل ومهاجمتها أيضاً ، فهذا صديقنا العلامة السيد موسى الموسوي سماها ( الثورة البائسة ) وألَفَ كُتبا وبحوثاً ونشر مقالات في مهاجمتها ، وبيان أخطائها .