إن المتعة كانت مُباحة في العصر الجاهلي ، ولما جاء الإسلام أبقى عليها مدة ، ثم حُرِّمَت يوم خيبر ، لكن المتعارَف عليه عند الشيعة عند جماهير فقهائنا أن عمر بن الخطاب هو الذي حرمها ، وهذا ما يرويه بعض فقهائنا .
والصواب في المسألة أنها حُرِّمَت يوم خيبر .
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه :
( حَرّم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ، ونكاح المتعة ) انظر التهذيب 2/186 ، الاستبصار 3/142 ، وسائل الشيعة 14/ 441 وسُئِلَ أبو عبدالله عليه السلام :
( أكان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوجون بغير بينة ؟ قال : لا ) انظر التهذيب 2/189 .
وعلق الطوسي على ذلك بقوله إنه لم يُرِدْ من ذلك النكاح الدائم بل أراد منه المتعة ، ولهذا أورد هذا النص من باب المتعة .
لا شك أن هذين النصين حجة قاطعة في نسخ حكم المتعة وإبطاله .
وأمير المؤمنين صلوات الله عليه نقل تحريمها عن النبي صلى الله عليه وآله ، وهذا يعني أن أمير المؤمنين قد قال بحرمتها من يوم خيبر ، ولا شك أن الأئمة من بعده قد عرفوا حكم المتعة بعد علمهم بتحريمها ، وهنا نقف بين أخبار ة وصريحة في تحريم المتعة ، وبين أخبار منسوبة إلى الأئمة في الحث عليها وعلى العمل بها .
وهذه مشكلة يحتار المسلم إزاءها أيتمتع أم لا ؟
إن الصواب هو ترك المتعة لأنها حرام كما ثبت نقله عن أمير المؤمنين عليه السلام . وأما الأخبار التي نُسبَت إلى الأئمة ، فلا شك أن نسبتها إليهم غير صحيحة ، بل هي أخبار مفَتراة عليهم ، إذ ما كان للأئمة عليهم السلام أن يخالفوا أمراً حرمه رسول الله ، وسار عليه أمير المؤمنين من بعده ، وهم - أي الأئمة - الذين تلقوا هذا العلم كابراً عن كابرٍ لأنهم ذرّية بعضها من بعض .
لما سُئلَ أبو عبدالله عليه السلام : ( كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليهَ وآله يتزوجون بغير بينة ؟ قال : لا ) فلولا علمه بتحريم المتعة لما قال : لا ، خصوصاً وأن الخبر صحيح في أن السؤال كان عن المتعة ، وأن أبا جعفر الطوسي راوي الخبر أورده في باب المتعة كما أسلفنا .
وما كان لأبي عبدالله والأئمة من قبله ومن بعده أن يخالفوا أمر رسول الله صلوات الله عليه أو أن يُحلُّوا أمراً حرمه أو أن يبتدعوا شيئاً ما كان معروفاً في عهده عليه السلام .
وبذلك يتبين أن الأخبار التي تحث على التمتع ما قال الأئمة منها حرفاً واحداً ، بل افتراها وَتَقوَّلَها عليهم أُناس زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت الكرام والإساءة إليهم ، وإلا بِمَ تفسر إباحتهم التمتع بالهـاشمية ، وتكفيرهم لمن لا يتمتع ؟
مع أن الأئمة عليهم السلام لم يُنْقَلْ عن واحد منهم نقلاً ثابتاً أنه تمتع مرة ، أو قال بِحِليَّةِ المتعة ، أيكونون قد دانوا بغير دين الاسلام ؟
فإذا توضح لنا هذا ندرك أن الذين وضعوا تلك الأخبار هم قوم زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت والأئمة عليهم السلام ، لأن العمل بتلك الأخبار فيه تكفير للأئمة ... فتنبه .
روى الكليني عن أبي عبدالله عليه السلام أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت : ( إني زنيت ، فأمر أن تُرْجَمَ ، فأخبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال : كيف زنيتِ ؟
فقالت : مررتُ بالبادية ، فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابياً فأبى إلا إن مَكَّنْتُه من نفسي ، فلما أجهدني العطش ، وَخفتُ على نفسي سقاني فأمكنتُه من نفسي ، فقال أمير المؤمنين عليه السَلام : تزويجٌ وَرَبِّ الكعبة ) الفروع 2/198 .
إن المتعة كما هو معروف تكون عن تراض بين الطرفين وعن رغبة منهما .
أما في هذه الرواية فإن المرأة المذكورة مضطرة ومجبورة ، فساومها على نفسها مقابل شربة ماء ، وليست هي في حكم الزانية حتى تطلب من عمر أن يطهرها ، وفوق ذلك - وهذا مهم - أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي روى تحريم المتعة في نقله عن النبي صلى الله عليه وآله يوم خيبر ، فكيف فتي هنا بأن هذا نكاح متعة ؟! وفتواه على سبيل الحِلِّ والإقرار والرضا منه بفعل الرجل والمرأة ؟!!
إن هذه الفتوى لو قالها أحد طلاب العلم لَعُدَّتْ سقطة بل غلطة يُعاب عليه بسببها ، فكيف تُنْسَبُ لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهو مَن هو في العلم والفتيا ؟ إن الذي نسب هذه الفتوى لأمير المؤمنين إما حاقداً أراد الطعن به ، وإما ذا غرض وهوى اخترع هذه القصة ، فنسبها لأمير المؤمنين ، ليُضْفي الشرعية على المتعة كي يسوغ لنفسه ولأمثاله استباحة الفروج باسم الدين حتى وإن أدَّى ذلك إلى الكذب على الأئمة عليهم السلام ، بل على النبي صلوات الله عليه .
إن المفاسد المترتبة على المتعة كبيرة ومتعددة الجوانب :
ا - فهي مخالفة للنصوص الشرعية لأنها تحليل لما حَرَّمَ الله .
2 - لقد ترتب على هذا اختلاق الروايات الكاذبة ، ونسبتها إلى الأئمة عليهم السلام مع ما في تلك الروايات من مطاعن قاسية لا يرضاها لهم مَن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان .
3 - من مفاسدها إباحة التمتع بالمرأة المحصَنَة - أي المتزوجة - رغم أنها في عِصمة رجل دون علمِ زوجها ، وفي هذه الحالة لا يأمن الأزواج على زوجاتهم فقد تتزوج المرأة مُتْعَةَ دون علم زوجها الشرعي ، ودون رِضاه ، وهذه مَفْسَدَةٌ ما بعدها مفسدة ، انظر فروع الكافي 5/463 ، تهذيب الأحكام 7/554 ، الاستبصار 3/145 وليت شعري ما رأي الرجل وما شعوره إذا اكتشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر غيره زواج متعة ؟!
4 - والآباء أيضاً لا يأمنون على بناتهم الباكرات إذ قد يتزوجن متعة دون علم آبائهن ، وقد يفاجأ الأب ان ابنته الباكر قد حملت ... لِمَ ؟ كيف ؟ لا دري ... ممن ؟ لا يدري أيضاً ، فقد تزوجت من واحد فمن هو ؟ لا يدري لأنه تركها وذهب .
5 - إن أغلب الذين يتمتعون ، يُبيحون لأنفسهم التمتع ببنات الناس ، ولكن إذا تقدم أحدٌ لخطبة بناتهم ، أو قريباتهم فأراد أن يتزوجها متعة ، لما وافق ولما رَضِيَ ، لأنه يرى هذا الزواج أشبه بالزنا ، وأن هذا عار عليه ، وهو يشعر بهذا من خلال تمتعه ببنات الناس ، فلا شك أنه يمتنع عن تزويج بناته للآخرين متعة ، أي أنه يبيح لنفسه التمتع ببنات الناس ، وفي المقابل يُحَرِّمُ على الناس أن يتمتعوا ببناته .
إذا كانت المتعة مشروعة ، أو أمراً مباحاً ، فَلِمَ هذا التحرج في إباحة تمتع الغرباء ببناته أو قريباته ؟!!
6 - إن المتعة ليس فيها إشهاد ، ولا إعلان ، ولا رضَى ولي أمر الخطوبة ، ولا يقع شيء من ميراث المتَمَتِّع للمُتَمَتَّع بها ، إنما هي مستأجَرة كما نُسِب ذلك القول إلى أبي عبدالله عليه السَلام ، فكيف يمكن إباحتها وإشاعتها بين الناس ؟
7 - إن المتعة فتحت المجال أمام الساقطين والساقطات من الشباب والشابات في لصق ما عندهم من فجور بالدين ، وأدى ذلك الى تشويه صورة الدين والمتدينين . وبذلك يتبين لنا أضرار المتعة دينياً واجتماعياً وخُلُقياً ، ولهذا حُرِّمَتِ المتعة ، ولو كان فيها مصالح لما حُرِّمَت ، ولكن لما كانت كثيرةَ المفاسد حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحرمها أمير المؤمنين عليه السلام .
تنبيه :
سألتُ الإمام الخوئي عن قول أمير المؤمنين في تحريم المتعة يوم خيبر ، وعن قول أبي عبدالله في إجابة السائل عن الزواج بغير بينة أكان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وآله ؟
فقال : إن قول أمير المؤمنين عليه السلام في تحريم المتعة يوم خيبر إنما يشمل تحريمها في ذلك اليوم فقط لا يتعدى التحريم إلى ما بعده .
أما قول أبي عبدالله للسائل ، فقال الإمام الخوئي : إنما قال أبو عبدالله ذلك تَقِيَّة ، وهذا متفق عليه بين فقهائنا .
قلت : والحق أن قول فقهائنا لم يكن صائباً ، ذلك أن تحريم المتعة يوم خيبر صاحبت تحريم لحوم الحمر الأهلية ، وتحريم لحوم الحمر الأهلية جرى العمل عليه من يوم خيبر إلى يومنا هذا وسيبقى إلى قيام الساعة .
فدعوى تخصيص تحريم المتعة بيوم خيبر فقط دعوى مجردة لم يقم عليها دليل ، خصوصاً وأن حرمة لحوم الحمر الأهلية والتي هي قرينة المتعة في التحريم بقي العمل عليها إلى يومنا هذا .
وفوق ذلك لو كان تحريم المتعة خاصّاً بيوم خيبر فقط ، لورد التصريح من النبي صلى الله عليه وآله بنسخ تلك الحرمة ، على أنه يجب أن لا يغيب عن بالنا أن علة إباحة المتعة هي السفر والحرب ، فكيف تحرم في تلك الحرب والمقاتل أحوج ما يكون إليها خصوصاً وأنه في غربة من أهله وما ملكت يمينه ، ثم تباح في السلم ؟
إن معنى قوله عليه السلام أنها حُرِّمَت يوم خيبر أي أنَّ بداية تحريمها كان يوم خيبر ، وأما أقوال فقهائنا إنما هي تلاعب بالنصوص لا أكثر .
فالحق أن تحريم المتعة ولحوم الحمر الأهلية متلازمان ، نزل الحكم بحرمتهما يوم خيبر ، وهو باق إلى قيام الساعة ، وليس هناك من داع لتأويل كلام أمير المؤمنين عليه السلام من أجل إشباع رغبات النفس وشهواتها في البحث الدائم عن الجميلات والفاتنات من النساء للتمتع بهن ، والتلذذ باسم الدين ، وعلى حسابه .
وأما أن قول أبي عبدالله عليه السلام في جوابه للسائل كان تقية ، أقول : إن السائل كونه من شيعة أبي عبدالله فليس هناك ما يبرر القول بالتقية خصوصاً وأنه يوافق الخبر ال عن الأمير عليه السلام في تحريم المتعة يوم خيبر .
إن المتعة التي أباحها فقهاؤنا تعطي الحق للرجل في أن يتمتع بعدد لا حصر له من النسوة ، ولو بألف امرأة وفي وقت واحد .
وكم من مُتَمَتِّع جمع بين المرأة وأمها ، وبين المرأة وأُختها ، وبين المرأة وعمتها أو خالتها وهو لا يدْري .