عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2010-12-05, 1:47 PM
جولينار20020
عضو نشط بالمنتدى
رقم العضوية : 126916
تاريخ التسجيل : 25 - 8 - 2010
عدد المشاركات : 138

غير متواجد
 
افتراضي
التعدد هل تفرد به الإسلام؟



ما إن يذكر التعدد في الشرق أو الغرب حتى يشار إلى الإسلام وكأنه أول من احتضن هذه الفكرة، ويتم عمدًا إغفال الحقائق التاريخية والواقعية الثابتة في أن التعدد نظام اجتماعي قديم، فلقد كان هذا النظام منتشرًا بين الفراعنة، ومن أشهرهم رمسيس الثاني، الذي كان له ثماني زوجات أشهرهن "نفرتيتي" ثم "إيزيس نفر"، وعشرات من الجواري، وكان التعدد كذلك معروفًا زمن إبراهيم عليه السلام، وجمع يعقوب عليه السلام بين أختين ـ وكان جائزًا في شريعته ـ هما "ليا" و "راحيل" أم يوسف وبنيامين، وكان لداود عدة زوجات، وكذلك ابنه سليمان عليهما السلام.


وكان التعدد كذلك معروفًا عند العرب قبل الإسلام، فعن ابن عمر قال: أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشر نسوة فقال له النبى صلى الله عليه وسلم (خذ منهن أربعًا) [رواه ابن ماجه، (2029)، وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجه، (1953)].


وكان التعدد معروفًا في الدول ذات الأصل السلافي وهي الآن الصرب والروس والتشيك والسلوفاك ومعظم سكان رومانيا ومقدونيا وبلغاريا....


وكان ولا يزال معروفًا في البلاد الوثنية كالهند والصين واليابان وبعض دول إفريقية، وفي النصرانية ظلت الكنيسة تعترف بتعدد
الزوجات حتى القرن السابع عشر، ولا يوجد نص صريح في الأناجيل الأربعة يحرمه، وإنما منعه النصارى تأثرًا بالوثنية التي كانوا يعيشون في كنفها قبل ذلك وتركت بعضًا من آثارها عليهم، من ذلك منع التعدد الذي كانت تفرضه بعض الدول الوثنية وليست كلها[للتوسع: زوجات لا عشيقات، حمدي شفيق، ص(3-6)].


فالتعدد إذن ظاهرة أو نظام اجتماعي لم تكن نشأته الأولى مع ظهور الإسلام،
فلم كل هذا الهجوم على الإسلام وتشريعاته؟!

التعدد في ظل هيمنة الرسالة:


جاء الإسلام كرسالة مهيمنة يقر أوضاعًا وينسف أوضاعًا، ويهذب أخرى ويضبطها، في إطار متطلبات عالمية الرسالة وبقائها إلى يوم الدين.


وقبل مجيئه كانت المرأة مسلوبة الحقوق مهدرة الكرامة، تكابد أبشع ألوان الظلم، وكان من ضمنها التعدد الذي لم يكن له ما يضبطه كمًا وكيفًا، فلما جاء الإسلام أقر المبدأ إلا أنه أحاطه بسياج من الضوابط التي تكفل مصلحة المرأة من ناحية ومن ناحية أخرى (ليحقق أهدافه الإنسانية السامية ويعالج ظاهرة اجتماعية واقعية، ويسد به آخر ثغرة يمكن أن ينفذ منها نحو اقتراف الفواحش، كما يتلافى به ضرر إنهاء الحياة الزوجية عند عجر الزوجة صحيًا عن أداء وظيفتها مراعيًا بهذا التشريع المحكم كرامة المرأة وصيانتها ودفع الظلم والتعسف عنها) [مزايا نظام الأسرة المسلمة، أحمد حسن كرزون، ص (210)].


يقول صاحب الظلال: (الإسلام لم ينشئ التعدد إنما حدده، ولم يأمر بالتعدد وإنما رخص فيه، وقيده، وإنه رخص فيه لمواجهة واقعيات الحياة البشرية وضرورات الفطرة الإنسانية).

ضوابط التعدد في الإسلام:


لم يترك الإسلام أمر التعدد للأهواء والأمزجة، وإنما وضع له ضوابط وشروطًا صريحة محكمة كما ذكرنا آنفًا، يضمن بها صلاح واقع البشرية وتجنب الظلم والإضرار، وتتمثل هذه الضوابط والشروط فيما يلي:

أولًا: تحديد العدد


قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]

، قال ابن كثير: (انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا،

كما قال تعالى: { جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } [ فاطر: 1 ]


أي: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه، بخلاف قصر الرجال على أربع ... لأن المقام مقام امتنان وإباحة، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره) [تفسير ابن كثير، (3/77)، باختصار يسير].


فلا دليل في الآية لمن يقول بجواز الزيادة على أربع، بالإضافة إلى تأكيد السنة ذلك، كما في حديث إسلام غيلان بن سلمة السالف، وهو محل إجماع بين المسلمين، قال ابن كثير: (قال الشافعي: وقد دَلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة،


وهذا الذي قاله الشافعي، رحمه الله، مجمع عليه بين العلماء) [تفسير ابن كثير، (3/77)].

ثانيًا: العدل بين الزوجات:



قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}


، قال الشنقيطي رحمه الله في دلالات هذه الآية: (وأنه مع خشية عدم العدل لا يجوز نكاح غير واحدة) [أضواء البيان، الشنقيطي، (3/77)].


وقال السعدي رحمه الله: (ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن، فإن خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة، أو على ملك يمينه) [تفسير السعدي، ص(144)].
وحذرت السنة المطهرة من الجور في ذلك الشأن، فقال صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) [رواه أبو داود، (2133)، وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود، (1867)].



وأما قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]، فمعناها الميل القلبي كما قال ابن كثير في أنها نزلت في عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها) [تفسير ابن كثير، (2/430)].



وقد اتخذ المغرضون من هذه الآية ذريعة لمنع التعدد، فقالوا: التعدد مشروط بالعدل، والعدل غير مستطاع فهذا دليل تحريمه، وتجاهلوا بقية الآية: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}، فكيف يأمر الله بما لا يكون في وسع البشر؟ وإنما غاية ما يقال في نفي العدل، إنما هو الميل كما قال ابن كثير: (لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن حصل القسْم الصوري: ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع) [تفسير ابن كثير - (2/430)].


وحول هذا الشرط يقول العلامة أحمد شاكر رحمه الله: (وشرط العدل في هذه الآية {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } شرط شخصي لا تشريعي؛ أعني: أنه شرطٌ مرجعُهُ للشخص، لا يدخل تحت سلطان التشريع والقضاء؛ فإنّ الله قد أذن للرجل -بصيغة الأمر- أن يتزوج ما طاب له من النساء، دون قيد بإذن القاضي، أو بإذن القانون، أو بإذن ولي الأمر، أو غيره، وأمره أنه إذا خاف -في نفسه- ألا يعدل بين
الزوجات أن يقتصر على واحدة.


وبالبداهة أنْ ليس لأحد سلطانٌ على قلب المريدِ الزواجَ، حتى يستطيع أن يعرف ما في دخيلة نفسه من خوف الجور أو عدم خوفه، بل ترك الله ذلك لتقديره في ضميره وحده، ثمَّ علَّمه الله -سبحانه- أنه على الحقيقة لا يستطيع إقامة ميزان العدل بين
الزوجات إقامة تامّة لا يدخلها ميل، فأمره ألا يميل كلَّ الميل، فيذر بعض زوجاته كالمعلقة، فاكتفى ربه منه -في طاعة أمره في العدل- أن يعمل منه بما استطاع، ورفع عنه ما لم يستطع) [عمدة التفاسير، أحمد شاكر، ص(459)].