عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2010-12-02, 6:45 PM
ـ أم عبدالرحمن ـ
عضو جديد
رقم العضوية : 135152
تاريخ التسجيل : 2 - 12 - 2010
عدد المشاركات : 56

غير متواجد
 
افتراضي
- كيف لي أن أجيبك ؟ وأنا لا أفهم عم تتحدثون ؟ ما المشكلة ؟.ماذا أصابك! ما الذي تحملينه في هذا الجسد يحتمل أن يتلاعب بالآجال ..هي بيد الله هذا ما علمتك إياه .. أما عن الشفقة وظلالها ..فلا أحد يطلب إليك أن تتعايشي وإياها .. ولكنه أمر بينكما .. أليس كذلك يا عمر؟ ..عمر أوجه كلامي إليك الآن .. ما أصاب ابنتي أمر لا يعنيها وحدها خاصة أن قراركما سيؤثر في جميع الذين شهدوا عرسكما ..لهذا يشهر العرس .. لتكون الأمة عليه شهيدة .. إنها الحكمة الإلهية في ترتيب المجتمع التصاعدي .. أريد أن أعرف أولا ما ردك على ما تقول سنا .. أما ما أصابها في البدن فهذا أمر مجبرة على إخباري به لاحقا .. إن لم يكن لك في ابنتي حاجة فاعمل ما اتفقتما عليه .. تسريحا بإحسان كما عهدتك .. وليس عليك في ذلك لوم ما دمتما بعقليكما قد أدركتما أنه مما لا يمكن معه إقامة حدود الله ..ـ
نطق الأب كلماته هذه مبتلعا ريقه .. صامدا في وقفته .. مسترسلا في أفكاره .. متماسكا لئلا يقع من هول الصدمة .. فما أصعب الأبوة وما تمر به من اختبارات .. ـ

نظر عمر إلى الجمع .. وقام إلى سنا .. وأمسك كفها .. فسحبته .. ـ
- كن واقعيا ولا داعي لهذا الدفق العاطفي.. ـ
ردت سنا بقسوة .. وجفاء .. وأحكمت قبضتها .. وكما هي كل المحاولات في الحياة .. الفاشلة دوما تسبق الناجحة ولكننا نفتقد للرغبة في تجديد المحاولة بعد الفشل الأول .. إلا أن قوة دافعة حثيثة ..كالحب كفيلة أن تدفعه لإمساك كفها بحنان أكبر هذه المرة .. ويد مرتعشة .. أسلمت سنا يدها دون وعي .. وتراخت أناملها كالأطفال عند استكشاف أجسادهم .. ـ
- أتعرف يا عمي .. سنا وأنا تحدثنا في موضوع الطلاق .. هي أرادته وأحب أن ألبي ما تريد .. ولكني أحب أن أصحح بعض الأشياء .. فعلى ما يبدو أن ما تعاني منه سنا قد تعقد بذاكرة مريضة وتراجع في قدراتها التحليلية!ا
رفع عمر عينيه إلى زوجه .. وأطال النظر فيهما وبدا كأنما يحاول أن يزيل طبقة الزجاج لعل كلماته تتجاوز المسمع إلى المعقل .. ـ
- سنا .. إن خوفا من مستقبل معلوم أمر مقبول فقد حدثت به السنة .. لذا كان الغد في علم الغيب .. وحري بنا أن نحترم هذا الناموس الكوني لنستمر اليوم .. إن مرضا يصيب الذاكرة لأخف وطأة من ذاكرة مشوهة ..اعذريني لقسوتي ..ما فتئت أتجنب هذه المواجهة .. أيزعجك عناقي الطويل وما جد عليه شيء ..لطالما حضنتك طويلا .. وفي كل مرة أحضنك أخاف أن تكون الأخيرة .. كلما جاء ليل علينا ونحن في ذات السرير أخشى أن أفوت الفرصة في التحقق من وجودك .. أعد نفسي غبيا لو لم أطري نفسي باحتوائك .. وأعدني أرعنا لو استجبت لتمنعك الزائف ..ما الجديد في عيني الدامعة؟ ..أليست هي العين ذاتها التي لمحتك في المكتبة أول مرة .. وأدخلتك الفؤاد حيث لا يقبع غيرك مذ ذاك؟ .. هي دمعة الفرحة بوجودك في حياتي .. هي دمعة الامتنان لرب عظيم جعلني قواما على سكن كقلبك .. هي دمعة اشتياق مخففة في حضورك مثقلة في غيابك .. هي دمعة قبل أن أعرفك .. وبعدما عرفتك .. وبعدما ابتلانا الله بهذا المرض ..ابتلانا يا سنا ..أنا وأنت .. لم يجدّ عليها شيء إذ لا أتصورها كانت أقل من حدها الأقصى ..أيحزنك أني أخاف عليك الإرهاق! .. أليس خوفا رافقني قبل أن أقترن بك .. أليس خوفا إنسانيا مبررا بين كل المتحابين في ظل هذا الكون المليء بالرحمة ..ألسنا على مودة ورحمة!ا

تململت سنا من الخجل للحظات محاولة ترقب ردود أفعال الجالسين وهم يرقبون الزوجين المحافظين في لحظة اعتراف غير مسبوق .. فالأب بدا مطرقا رأسه غير واع بما حوله .. والعم يشرب الشاي مسترقا حتى لا يعرف أحد أنه أخذه دون مضيف! وعادت بعد نظرة مختلسة إلى عين زوجها .. وهناك وقف الزمن .. عين دامعة تلمع في شفق المغرب الذي حل على تلك الجلسة .. ويد ترتعش وكلمات لا تعرف الفواصل ..ـ

- أما زال صمتي مؤثرا يا سنا .. أكان يبدو إشفاقا؟ .. أصمت في حضرتك خوفا من أن أضيع وقتي بالكلام .. فكل لحظة معك هي أقرب للظفر ..أولست ظفرا تربت يداي به؟ .. ماذا أقول وقد احتارت كلماتي بك مذ أن التقينا ..أصمتي جديد عليك غاليتي ..أنا آسف ..ليتك قلت لي .. فأنا أخبيء الكثير من الكلام حتى الغد الأجمل .. الغد الذي أؤمن به مفرغا من كل التوقعات .. أؤمن به لأن هذا جزء من عقيدة بنينا عليها وجدان حياتنا.. فما بالك تعبثين بذاكرة حملتنا طويلا .. المرض في كبدك يسري .. فما شأن دماغك .. كيف له أن يقتحم ذاكرتك دون إنذار؟ .. أتريدين الانسحاب يا سنا .. لك ذاك وليس لنا .. ليس لي! وغالبا هو ليس لك .. دعيني أحبك كما دوما أحببتك .. أحببتك كما الجنة ..أشتهيها وأعرف أن ليس فيها اعتياد .. وليس لها امتلاك .. فمم تخشين؟ من بدن هزيل .. وما أدراني ما يصيبني أنا ..أو كنت تتركيني وترحلين ؟

هزت سنا برأسها حركات نفي عديدة كأنما نومتها الكلمات وأذهبت عنها حمى الغضب ..ـ
- أيؤذيك صمت أحبك .. إذن دعيني أحاول الكلام .. دعيني أخبرك كم أضافت عينيك لمقلمتي .. فمرضك لم يمنعك يوما من طبطبة على كتفي .. لم يستوقف دعاءك في صلاة الفجر لي .. لم يحجب يديك عن فطور جميل تحضره يداك .. لا يعيق حضنك الذي صار يؤذيه أن يحتويني طويلا.. ـ
وبدأت الحروف تختنق .. وعينا عمر تحترقان .. وانهار قناع القوة عن سنا تماما .. وقف عمر وقال بصوت أقرب إلى البكاء ..ـ
- إن كنت وافقت على فراقك فقد كان من أجل حضن أحببته بات يرفضني .. بات يرفضني .. ووجه أحب التأمل فيه صار يحتجب عني .. وقلب أعطيته عمري اختار أن يلقي بي في أول لحظة وهن تصيبه .. إن كنت وافقتك فلأني أحبك رغم المرض والصحة .. لطالما أحببتك رغم الأشياء .. ـ
وأحنى رأسه وتحشرجت أنفاسه .. وأراد أن يخرج من باب الصالة إلا أن كوميديا المواقف التي طالما أنقذتها من نهايات حمقاء أبت أن تسمح له بالخروج بعد عناء الحديث .. فحديث الحب بعد صمته أبلغ من أن يبخسه التجاهل ويظفر به الانسحاب .. ـ
وتنحنح العم أبو محمود .. ورن هاتف أبي سنا النقال فاستأذن يجيبه .. جاءت أم سنا على قدمين تعبتين وبعينين منتفختين .. تحمل الهاتف النقال .. وتشهد وقوف سنا تمسك ذراع زوجها .. وتطبق بذراعيها على رقبته ودمعها الخارج من بعد احتباس يحتفل على وجنيتها بالخلاص .. نادت الأم الباكية أبا محمود إلى الداخل .. متمتمة بالشكر والعرفان للرب الكريم .. مفرطة في البكاء .. كعادة الأمهات تبكي لكل الحوادث ومن غير تعليل معقول!ا

أطالت سنا العناق ..وبكت بحرقة واختلط بكاء الزوجين .. كأنما يكفران عن وسواس أصابهما .. يحاولان هضم مكنونات الحب كيف تخرج جميلة دون تحضير .. وتختبيء خوفا من فتنة أو ابتذال .. ـ
بكى الاثنان بكاء أدم وحواء عند الخروج من الجنة .. فهذا ما يحل بالبشر عند توسم الخلود وإنهاك الغد بالتوقعات ..فيضيع اليوم ويشيخ الماضي شيخوخة مبكرة.. ويئد جهل البشر حبا كبيرا .. لأنهم لم يعوا يوما لغة الحب ..حين يصمت

بقلم
التوابة الصغيرة
سندس السعد