مذكرات فاشل (قصيدة)
د. عبدالحميد محمد بدران
سَنَةٌ مَضَتْ والحُلْمُ يَهْرَعُ إِذْ يُرَاوِدُهُ النَّهَارْ
مِنْ قَبْلِهَا خَمْسٌ تَوَلَّتْ مَا أَطَالَتْ الِانْتِظَارْ
وَأَنَا هُنَا شَبَحُ الرُّسُوبِ مُكَبِّلِي بِاللاَّفِرَارْ
تَتَبَخَّرُ الْأَحْلاَمُ مِنِّي فِي ظُهُورٍ وَاسْتِتَارْ
بِالْأَمْسِ كَانَتْ نُزْهَةٌ مَعَ أَصْدِقَائِي فِي الحُقُولْ
نِلْنَا مِنَ المُتَعِ الرَّزَايَا مَا تَنُوءُ بِهِ العُقُولْ
وَصَدِيقُ رُوحِي قَدْ سَقَانِي مِنْ هَوًى يَأْبَى الرَّحِيلْ
كَانَتْ دُرُوسِي فِي المَلاَهِي فِي المَقَاهِي فِي الهُرَاءْ
"فَاءٌ" أَنَا فَشَلٌ يَمُورُ يُثِيرُ فِي الدُّنْيَا البَلاَءْ
"شِينٌ" شَرِبْتُ مَرَارَةَ الهَذَيَانِ أَحْسَبُهُ الدَّوَاءْ
"لاَمٌ" لَعِبْتُ بِمُشْكِلاَتِ النَّاسِ أَتَّشِحُ الدَّهَاءْ
هَذَا نَهَارٌ قَدْ نَهَبْتُ ضِيَاءَهُ حَتَّى الغُرُوبْ
بَلْ ذَاكَ لَيْلٌ سُقْتُهُ وَالفَجْرُ يُسْمِعُنِي الدَّبِيبْ
مَا كُنْتُ أَشْعُرُ أَنَّنِي يَومًا مَلاَذٌ لِلخُطُوبْ
وَإِذَا بِآهَاتٍ حَيَارَى دَثَّرتْ ثَوْبِي القَشِيبْ
إذْ مَا أَرَى صَحْبِي عَلَوا مِسْكًا تَفَاوَحَ كَالرَّحِيقِ
نَحْوَ الذُّرَا تَخْطُو أَمَانِي عَقْلِهَا أَلِفَ الطَّرِيقْ
إِلاَّ وَدَبَّ بِخَاطِرِي غَيْظٌ تَأَجَّجَ كَالْحَرِيقْ
فَتَقُولُ أَصْدَاءُ الرَّدَى أَوَ هَلْ عَزَمْتَ عَلَى المفِيقْ؟
هَذِي حَيَاتُكَ فَاسْقِهَا شَوْقًا لِأَيَّامٍ رُكُودْ
لاَ لاَ تُفِقْ نَفْسِي فِدَاكَ وَقَلْبِيَ الطِّفْلُ الوَلِيدْ
يَا نَفْسُ كَمْ أَغْوَيْتِنِي حَتَّى غَدَوْتُ كَمَا القَعِيدْ
أَسْتَنْشِقُ الْأَيَّامَ سُودًا خِلْتُهَا عَبَقَ الوُرُودْ
قَالَتْ: رَأَيْتُكَ بِالْمَهَالِكِ تَنْسُجُ الحُلْمَ المَرِيرْ
"لاَمٌ" لَهَوْتَ بِغَانِيَاتٍ مَا اسْتَمَعْتَ إِلَى النَّذِيرْ
"هَاءٌ" هَوَيْتَ إِلَى المَعَاصِي وَالشَّيَاطِينِ الغَرُورْ
"وَاوٌ" وَأَدْتَ المَكْرُمَاتِ بِبِئْرِ غَيٍّ فِي سُرُورْ
لَهْوٌ حَيَاتُكَ لاَ تَقُلْ إِنَّ المُرُوقَ هُوَ الضَّجَرْ
حَقًّا حَيَاتِي هَكَذَا غَيٌّ بِدَارِي يَنْفَجِرْ
صَحْبِي الْحَبِيبَ لَكَمْ نَصَحْتَ وَكُنْتُ دَوْمًا أَعْتَذِرْ
سَقْيًا وَرَعْيًا لاَ مَفَرَّ أَقُودُ نَفْسِي أَنْتَحِرْ
لاَ يَا عَلاَءُ دَعِ القُنُوطَ وَبِالنَّصِيحَةِ كُنْ حَفِيَّا
فَالْيَأْسُ يُنْبِتُ فِي النُّفُوسِ النَّأْيَ إِنْبَاتًا شَقِيَّا
حَتَّى إِذَا مَا اشْتَدَّ سَاعِدُهُ وَكَانَ فَتًى قَوِيَّا
سَلَّ السُّيُوفَ لِكَيْ يُقتِّلَ مَنْ حَوَاهُ وَكَانَ رِيَّا
هَذِي أَغَارِيدُ الطُّيُورِ تَقُولُ أَهْلاً مَرْحَبَا
"أَلِفٌ" أَرَى ثَمَرَ الْكِفَاحِ لِكُلِّ جِدٍّ وَاجِبَا
"مِيمٌ" مَضَى شَبَحُ الخُمُولِ فَكَفِّنُوا هَذَا الوَبَا
"لاَمٌ" لِيَسْعَدْ يَوْمُكُمْ وَيَفُوحُ عِطْرًا طَيِّبَا
أَمَلٌ حَيَاتُكَ يَا عَلاَءُ فَلاَ تَقُلْ مَاتَ الصَّفَاءْ
فَالْعَزْمُ عِزٌّ وَالنَّجَاحُ عِمَادُهُ جِدٌّ، إِخَاءْ
فَالطَّيْرُ تَسْعَى إِذْ تُوَارِي اللَّيْلَ أَطْيَافُ الضِّيَاءْ
وَتَعُودُ مِنْ فَرَحٍ يُزَغْرِدُ فِي حَوَاصِلِهَا الغِذَاءْ
لَكَ أَنْ تَجِدَّ أَخِي عَلاَءُ وَهَدْيُ رَبِّكَ فِي الوَفَاءْ
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَالحِفْظُ مِفْتَاحُ الدَّوَاءْ.