عندما حاصرتني الألسنة ، أحسست بالحاجة إلى الهروب إليها ، فحدثتها عنها ، واشتكيت إليها منها ،
ما عدت أرجو جلوساً في نوادينا = فالكل يلغط أكمِلْ ما يفي الدينا
بذاك تسلو وتؤتي النفس متعتها = وينسـفـون وفـاءً مـاكثاً فـيـنـا
هم يحــســبون صفاء العيش مطلبنا = وفاتهم أن بعد الخل يشـقـيـنـا
من قال يكفيك حزناً لستُ أسمعه = أو قال أنساك لم ينصفك تثمينا
وكيف أنساك يا من عشتُ أعشقها = ردحاً من الدهر لم أعلم تجافينا
ذكراك في خاطري ما عشتُ خالدةٌ = لا صحَّ بيعٌ لخلًّ مات شارينا
من كان مثلك في طيبٍ ومحمدةٍ = هيهات نلقى شبيهاً عنه يغنينا
أنتِ السماء التي غابت بزرقتها = وأنت أرضي التي ما عدتِ تؤوينا
بل أنت بدرٌ، بهيم الليل يحجبه = عن الظهور فما تزهو ليالينا
أنت النجوم ، سواد السحب يجبرها = على الأفول فما تزهو ليالينا
أنت الضياء ومنك النور نطلبه = ما بال نورك لم يسطع بوادينا
أنت الأمان الذي تشقى لغيبته = كل الأنام وإن كانوا السلاطينا
أنت السعادة مرُّ العيش حاربها = فاستبدل السعد أحزاناً وتأبينا
أنت الكرامة أنت العزُّ عاث به = جيشٌ من القهر لم يرحم تباكينا
أنت الجمال الذي قد عز رؤيته = عن الوجود ونفحُ العود يهدينا
أنت القصيد الذي أشدو به زمناً = هل ترغبين لشعري اليوم تلحينا
فليس إلا حزين اللحن يحضرني = وليس إلا أنين الناي يـشـجيــنـــا
أنت الأمومة أنت الروح أنت أنا = أنت البراءة أنت الـشـهـد يـشـفينا
يا كل شيئ جميلٍ صرت أفقده = يا أعذب الكـل يـا مـسـكـاً يلاقـيـنـا
يا روضة الشعر قد حل الجفاف بها = فغاض لفظي وما أحسنت تضمينا
يا أول الحب لم أهـنـأ بـشـربـتـــه = يا آخر الحب يا حــوراً تـنـاديـنـا
يا فرحةً في حنايا القلب بــدّدهــا = مرّ الفراق الذي كم بات يـبكيـنـا
يا زهرةً قد ذوت في عز نضرتها = يا وردةً ذبلت من لمس أيدينا
يا من سكنت حنايا القلب أسألها = كيف الرحيل وكيف الآن تحيينا ؟؟
لولا العيال ولولا الدين يمنعني = ألازم القبر حتى الموت يخفينا
إن كنت بعدك أهوي شر منزلةٍ = فطالما المجد قد سامرته حينا
كم قد شربنا كؤوس العز غاليتي = واليوم حالتني الأقدار مسكينا
مـا لـلـوجــود حـلاةٌ دون مـلـهـمـتي = وليس إلا زؤام الموت يكوينا
أساهر النجم لا جفناً يطـيــق كـرى = يسري بي الفكر لا مرسى ولا مينا
سـفـينة الـهــم تـغـدو فـتـبحر بـي = وحادي الموت وسط الموج يلقينا
وسائدي تشتكي دمعاً يموج بها = وحجرتي قد دوت من صرختي حينا
في القلب صدعٌ ومن بين الضلوع جوى = يشكو فراقاً ووصل الخل يعيينا
يا من طواها الردى عنا وغيبها = لو كانت النفس تُفدى كنتُ فادينا
إن كان في الناس من ضحّى لصاحبه = ما أهون الروح تفديكم قرابينا