المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صانعة في الحياة
شكرا لك شيحنا الفاضل
ولكن دار في ذهني سؤال هل هذه الفتنه لا يبتلي بها الا المخطأت من النساء ؟؟
هل الله يبتلي من يحبه وتعرض عليه الفتنه للختبار ام فقط لمن يذنب ؟؟
ولسنا منزهين عن الخطأ ولكن لي غرض من سؤالي احب ان اجد الجواب عليه جزاك الله خيرا
|
أهلا بك أختي الفاضلة، وإليك جواب سؤالك:
يقول الدكتور محمد البوطي:
لابد من أن يبتلي الله عباده ببعض الشدائد حتى تسوقهم إلى الشطر الأول من ممارسة العبودية لله عز وجل. كما أن شكر الله عز وجل لا يمكن أن يتم بصدق إلا إن سيق الإنسانُ إلى هذا الشكر بدافع نعمة أكرمه الله سبحانه وتعالى بها، بدافع رخاء، بدافع عطاء متّعة الله سبحانه وتعالى بهما. ومن هنا كانت الحكمة مقتضية أن تكون هذه الحياة الدنيا قائمة على دعامتين اثنتين: دعامة الابتلاء بالضراء، ودعامة الابتلاء بالسراء، وصدق الله عز وجل القائل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 21/35]. نبتليكم بالشر آناً؛ تُرى هل يسوقكم الشر إلى باب الله عز وجل ملتجئين منكسرين متضدعين؟ ونبلوكم بالخير آناً آخر؛ تُرى هل سيسوقكم هذا الخير إلى باب الله عز وجل بالحمد والثناء والشكر؟ فإن أنتم فعلتم ذلك فقد أديتم حق العبودية لله سبحانه وتعالى.
وإذا تأملنا أيها الإخوة في هذه الحكمة، علمنا أن الشدائد التي سمّاها الله عز وجل شراً ليست شراً إلا في الظاهر، أما في الباطن فهي من نِعم الله الخفية، هي من نِعم الله عز وجل الباطنة التي أشار إليها في قوله: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً} [لقمان: 31/20] هي شدائد وشر في الظاهر، لكنها في مآلها خير كبير. هذه الشدائد التي يبتلي الله عز وجل عباده بها كثيرة ومتنوعة؛ منها تسليط الله سبحانه وتعالى الأعداء على عباده الذين أعلنوا عن عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، لون من ألوان الشر الذي يشير إليه بيان الله عز وجل. من هذه الشدائد أن يحبس الله سبحانه وتعالى المطر عن عباده، وأن يحبس الأرض عن الإنبات، وأن يبتليهم بشيء من الشدة، أن يبتليهم بحالة من الجدب والقحط. من الشدائد التي يبتلي الله عز وجل بها عباده كي تسوقهم إلى رحاب المولى عز وجل متضرعين ملتجئين منكسرين الأمراضُ التي تتسرب إلى كيان الإنسان بإرادة وقضاء من الله سبحانه وتعالى ولحكمة. من الشدائد التي يبتلي الله عز وجل بها عباده الفقر. أمثلة كثيرة تجسد هذه الحقيقة التي يلفت بيان الله عز وجل أنظارنا إليها. ما الحكمة منها؟ الحكمة منها أن تستبين حقيقةُ العبودية في كيان الإنسان لله عز وجل، وأن يتبين مدى تفاعل الإنسان العبد مع عبوديته لله عز وجل، أفهو موقن بها ومتفاعل معها؟ إذن لابد أن تسوقه هذه الشدائد إلى الله عز وجل متضرعاً منكسراً آيباً متذللاً. ولا يشترط في مجيئ هذه الشدائد أن يكون الناسُ الذين ابتلوا بها آثمين، ربما لا يكونون آثمين، وإنما الحكمة من ذلك أن تستبين حقيقةُ العبودية في كيان الإنسان لله عز وجل. لقد ابتُلي الصالحون بالشدائد، بل ابتُلي الرسل والأنبياء بالشدائد، فساقتهم الشدائد إلى أعتاب الله سبحانه وتعالى، ساقتهم الشدائد إلى التضرع على باب الله عز وجل. وصدق الله القائل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 6/42-43] هذا حديث عن فئة أخرى من الناس حجبوا أنفسهم عن هُواياتهم وتجاهلوا عبوديتهم ومملوكيتهم لله سبحانه وتعالى، فكانت العاقبة أن أزال الله سبحانه وتعالى عنهم ابتلاء الشدائد المختلفة المتنوعة وزجهم في ساحة من النعم أسكرهم بها. هذا ما يقوله بيان الله سبحانه وتعالى منبهاً ومحذراً {فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 6/43-44]، ومن لم تسقه الشدائد إلى باب الله متضرعاً متذللاً ملتجئاً، لن تسوقه النعم إلى باب الله عز وجل شاكراً وحامداً؛ لأنه محجوب عن هويته، فلا الشدائد تجعله يتذكر عبوديته لله عز وجل ليتضرع على بابه، ولا النعم تذكره بعبوديته لله عز وجل ليشكره على آلائه. هكذا يمارس العبد عبوديته لله سبحانه وتعالى. فإن هو وقف أمام باب الله، فرّ من الشدائد إلى أعتاب الله. فرّ منها إلى ساحة التضرع في باب الله عز وجل، فإن الله عز وجل يكشف عنه البأساء ويزيل عنه الضراء، وإن هو أقبل إلى الله عز وجل عند نعمه شاكراً بالمعنى الذي طلب الله عز وجل منا الشكر، حامداً بالمعنى الذي بينه لنا رسول الله ( لحقيقة الحمد، فإن الله عز وجل يزيد هذا الحامد والشاكر؛ فرداً كان أو جماعة، يزيده مِنناً ويزيده مِنَحاً ويزيده من فضله. ونحن أيها الإخوة نرى هذه السُّنة الربانية التي تتحقق في حياتنا، شدةُ ورخاء، نِعم وبأساء، نرى هذا ونرى ذاك، وأتساءل: أين هو الالتجاء إلى الله عز وجل عندما نرى الشدائد وعندما نُبْتلى بها؟ وأين هو الشكر للمنعم جل جلاله عندما نرى الرخاء وعندما نرى ألواناً من النعم والعطاء يكرمنا الله سبحانه وتعالى بهما؟ ابتلانا الله عز وجل بالأعداء سلطهم علينا كما تعرفون، ولعلهم سيزدادون تسلطاً، ولكن الحكمة من ذلك قد عرفتموها، الحكمة من ذلك أن تفوح رائحة العبودية بين جوانحنا لله على كل المستويات، بدءاً من القمة إلى القاعدة، أين هي ظاهرة الالتجاء إلى الله نعالج بها هذه الشدة التي انتابتنا؟ لا يكفي أن يُقْبل إلى الله سبحانه وتعالى الأفراد قلة هنا وهنا وهناك، في حين أن الابتلاء عام للجميع.
ويقول الشيخ محمد التويجري:
الدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء والجزاء سيكون بالجنة للمؤمنين والنار للكافرين .
ولما كانت الجنة طيبة . ولا يدخلها إلا من كان طيباً والله طيب لا يقبل إلا طيباً لذا جرت سنة الله في عباده الابتلاء بالمصائب والفتن , ليعلم المؤمن من الكافر ويتميز الصادق من الكاذب كما قال سبحانه : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) العنكبوت/2- 3 .
ولن يتم الفوز والنجاح إلا من بعد امتحان يعزل الطيب عن الخبيث ويكشف المؤمن من الكافر كما قال سبحانه ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) آل عمران/197 .
ومن الابتلاء الذي يبتلي الله به عباده ليتميز به المؤمن من الكافر ما ذكره الله بقوله : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) البقرة/154-156 .
فالله يبتلي العباد ويحب الصابرين و يبشرهم بالجنة .
ويبتلى الله عباده بالجهاد كما قال سبحانه : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) آل عمران/142 .
والأموال والأولاد فتنة يبتلي الله بهما عباده ليعلم من يشكره عليها ومن ، يشتغل بها عنه ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ) الأنفال/28 .
ويبتلي الله بالمصائب تارة وبالنعم تارة ليعلم من يشكر ومن يكفر ومن يطيع ومن يعصى ثم يجازيهم يوم القيامة ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) الأنبياء/35 .
والابتلاء يكون حسب الإيمان فأشد الناس بلاءً الأنبياء , ثم الأمثل فالأمثل قال عليه الصلاة والسلام ( إني أوعك كما يوعك رجلان منكم ) أخرجه البخاري/5648 .
والله سبحانه يبتلي عباده بأنواع من الابتلاء .
فتارة ً يبتليهم بالمصائب والفتن امتحاناً لهم ليعلم المؤمن الكافر والمطيع من العاصي والشاكر من الجاحد .
وتارة يبتلى الله عباده بالمصائب ، إذا عصوا ربهم فيؤدبهم بالمصائب لعلهم يرجعون كما قال سبحانه : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) الشورى/30 .
وقال سبحانه : ( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ) المؤمنون/76 .
والله رحيم بعباده يكرر الفتن على الأمة لعلها ترجع وتنيب إليه وتهجر ما حرم الله , ليغفر الله لها كما قال سبحانه : ( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ) التوبة/126 .
ومن رحمة الله , أن تكون العقوبة على المعاصي في الدنيا لعل النفوس تزكو وتعود إلى الله قبل الموت ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) السجدة/21 .
وتارة يبتلي الله عباده بالمصائب لرفع درجاتهم وتكفير سيئاتهم كما قال عليه الصلاة والسلام : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب , ولا هم ولا حزن , ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) متفق عليه ، أخرجه البخاري/5641 .