* أمَّا الشُّبه التي لم يبرح الطباخون، والذواقون
من ذكرها في غير موضع من مقالاتهم، فلا شك أنها كثيرةٌ جداً يعسر حصرها؛ لكنَّها في الجملة واهية، وحسبها أنها شبهٌ قد اشتبهت على من لا علم له، ولا تحقيق نظر !، لذا أرى أنه ليس من السلامة الوقوف مع كلِّ شبهةٍ ذكرت، أو اختلقت؛ لأن الشُّبه لا تزال تتوارد على أصحابها بحكم ضعف الإيمان، ونزعات الشيطان ـ أعاذنا الله منها ـ .
فنرى من المناسب أن نقف مع أهم هذه الشبه لا سيما التي كانت محلاً لأنظارهم، ومرجعاً لأوهامهم !.
الشبهة الأولى : قولهم : إن ( قيادة المرأة للسيارة ) من ضروريات العصر، ومتطلبات الحياة … الخ .
قلت : إن العصر والحياة ليستا أدلةً قاطعة تتحكمان في حياتنا وشؤوننا؛ بحيث ما أحلَّه العصر، أو ارتضاه أهله يكون لنا حلالاً، وما حرمته الحياة، أو أبغضه الناس يكون لنا حراماً !، بل نحن متعبدون بدينٍ ربَّاني، ومنهجٍ إيماني؛ لا بأذواق الناس، أو متطلباتهم المختلفة، أو أهوائهم المضطربة .
كما قال الله تعالى : " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله …" الأنعام 116، وقوله تعالى : " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون " المائدة 50 .
فهل عسيتم : إذا ظُنَّ أن الشيُ من ضروريات العصر، ومتطلبات الحياة يكون حلالاً ؟!.
فقولوا لي بربكم : إذا ظُن أن التبرج من متطلبات الحياة كما هو الحال في كافة بلاد العالمين ـ حاشا بلاد التوحيد ـ سيكون إذاً حلالاً ؟ .
أو ظُن أن العلاقات الجنسية، التي عمَّت وطمَّت باسم الحرية ـ حاشا بعض بلاد المسلمين ـ سيكون إذاً حلالاً ؟ .
أو ظن أن الربا الذي ضرب بجذوره في كافة بلاد العالمين باسم الفوائد؛ سيكون إذاً حلالاً ؟.
أو ظن أن ( قيادة المرأة للسيارة ) من متطلبات الحياة كما هو الحال في كافة بلاد العالمين ـ حاشا بلاد التوحيد ـ سيكون إذاً حلالاً ؟، ( ألا ساء ما يحكمون ) النحل (59 ) .
فلا شك أن في هذه الأقوال جنايةٌ على التشريع الإلاهي، ومصادمة لحكم الله تعالى، وكفرٌ بربِّ العالمين " ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون " المائدة 44 .
ونحن ـ أيضاً ـ إذا أردنا أن نُحَكِّمَ العصر والحياة ـ جدلاً ـ في ( قيادة المرأة للسيارة)، فهو حجةً لنا لا لهم ، لأننا إذا ما نظرنا إلى ما أفرزته ( قيادة المرأة للسيارة )في هذا العصر علمنا جميعاً أن الواقع مخزٍ ومشين، بل لولا خشية الإطالة لذكرت ما يطول بنا من القصص، والإحصائيات المخيفة، سواء في دول الكفر أو الإسلام !، والواقع أكبر دليل وأعظم برهان لمن ألقى السمع وهو شهيد .
الشبهة الثانية : قولهم إن ( قيادة المرأة للسيارة )، في هذه البلاد لن تكون كغيرها من بلاد العالمين، بل يحكمه نظامٌ، و قانونٌ يحفظ لنا نساءنا من الاختلاط والسفور … الخ .
قلتُ : إن ( هذه شنشنةٌ نعرفها من أخزم )، فإنَّ ما تدعون إليه مثل الذي يريد منَّا أن ننظر بعينٍ واحدة، ونمشي على رجلٍ واحدة، إن هذا ـ والله ـ هو الفقه الأعوج، والقول الأعرج الذي لم يَعُد له نصيبٌ عند البسطاء فضلاً عن العقلاء …
وصدق فيكم الشاعر :
ألقاه في اليمِّ مكتوفاً وقال له إيـاك إيـاك أن تبتلَّ بالماء
وهل يقول عاقلٌ : أن هذه الحلول المستوردة؛ والآراء المجمدة سيكون لها رصيد في بلادنا المسلمة، وعاداتنا السليمة ؟، كلاَّ إنها أحلام اليقظة، وأمنيات الجهلة …
وهل إذا خرجت المرأة السعودية ـ لا قدر الله ـ لقيادة السيارة، نستطيع أن نقول لها حينذاك : عليك بالحجاب الشرعي؛ بحيث لا تكشفين منه إلاَّ قدر العينين ؟، وعدم الالتفات يمنةً أو يسرةً ؟، وإياك أن تصطدمي مع الشباب سواء في حادث مروري أو مكالمة عبر" البوري " ؟، وإياك أن تخرجي من بيتك إلاَّ للضرورة، والحاجة ؟، وإياك إياك أن تخرجي بليل أو تعبري الطريق الطويل ؟، وإياك إياك أن تقودي السيارة دون مَحْرَمٍ شرعي؟ وإياك أن تراجعي المرور عند حدوث أي مشكلة ، وإياك أن تستعيني بالرجال عند حصول أي عطل للسيارة ؟ وإياك أن تدخلي السجن، أو غرفة التوقيف عند أي مخالفة؛ وبالجملة لا تخضعي لأنظمة المرور … الخ، ومن خالفت ذلك منكنَّ سيكون جزاءها ( قسيمة مرورية ) ! .
وفي المقابل نقول ـ أيضاً ـ للشاب إياك أن تلتفت يمنة أو يسرة؛ تجاه السائقات!، وإياك إياك أن تصطدم بالمرأة سواء في حادث مروري أو مكالمة عبر " البوري "، وإياك أن تؤذي السائقات بالمطاردات أو المعاكسات لأنها أختك في الله !، وإذا ثقلت عليك هذه القيود فياحبَّذا لو تقود السيارة ومعك محرم من النساء للسلامة … الخ، ومن خالف ذلك سيكون جزاءه (قسيمة مرورية ) ! .
أقول : إن كانت هذه الحلول من المستحيلات، أو من المضحكات؛ فحينئذ ستكون ( قيادة المرأة للسيارة ) في هذه البلاد المحروسة من المستحيلات،والمضحكات معاً ! .
ولعلَّ قائلاً يقول : من الممكن أن تقود المرأة السيارة وهي محجبة !.
أقول : هذا القول فيه تكلف ومكابرة، لأن الواقعَ المحسوسَ شاهدٌ لكل ذي عين؛ أن من قادت السيارة من النساء سوف تكشف وجهها لتحذر عقبات الطرق، ومغبات الحوادث .
وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر؛ إلاَّ أنه لن يدوم طويلاً، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى؛ كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت صغيرة هينة مقبولة بعض الشي؛ ثمَّ ما لبثت أن تدهورت منحدرة إلى هاوية لا قعر لها من المحرمات الكبيرة العظام .
وهذا كلُّه - سنة التطور - إذا ترك الأمر لاختيار المرأة، وهذا كافٍ؛ إلاَّ أننا نخشى – في المدى البعيد - أن تكون هناك ضغوط قوية تفرض على المرأة أن تكشف وجهها عند قيادتها للسيارة ! .
ويوضح ذلك؛ ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط الصادرة في يوم الاثنين 5/3/1419هـ " أن إدارة المرور في إحدى الدول المجاورة سنت قانوناً يمنع النساء المنقبات من قيادة السيارات.
وقالت الصحيفة :إن الإدارة العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية سَنَّت القانونَ الجديدَ بقصد تجنب تخفي البعض من النساء، أو الرجال تحت النقاب للقيام بأعمال مخالفة للقانون ومنهم فئة صغار السن من الشباب غير المسموح لهم باستصدار رخص قيادة السيارات حيث يتخفون في زي المنقبات ويقومون بقيادة السيارات مما يؤدي إلى أضرار بالغير في الشارع ".
نعم هذا الذي تريدون، وإليه ترمون، لأن دعوتكم إلى ( قيادة المرأة للسيارة ) دون كشفها للوجه، أو وجود الاختلاط مناقضة مفضوحة؛ فالقضية ليست حيادية –كما تظنون – بل مفارقة؛ فإما عفاف وحياء، أو فساد واختلاط؛ فما تريدون ؟ ! .