مبروك المولود رجل
سمعت عن بعض الخوارق التي قد تحدث لنوع معين من البشر الرسل وبعض الصالحين ،
وطبعاً مستحيل أن تصدر عن شخص الآن ،
وأدرج تحت صنف الخوارق علاج الإدمان .. بعض المدمنين أو معظمهم وأهليهم فقدوا العزم
علي النجاة م أنياب الوحش القاتل .
ولكن ما جعلني لا أقطع الأمل كلية في علاج الإدمان أنني من قبل كنت أظن أن انقطاع مدمن عن الإدمان صورة من صور تحقق المعجزات ، نعم هكذا كنت أظن ولكن خالد غير هذه الصورة .. فمن يكون خالد ؟ وما قصته ؟
كنت في غرفتي في العيادة الخارجية يوم الاثنين ، والوقت ما زال صبحاً ، رن الهاتف فرفعت السماعة وكان هذا الحوار :
? هي : د. عادل .
- أنا : نعم .
? عندي مشكلة أود أن أطرحها عليك .
- تفضلي أختي الفاضلة .
? حقيقة يا دكتور أنا متزوجة منذ ست سنوات ولي من الذرية ولدان ، وزوجي رجل طيب ، ومن عائلة محترمة ، ولكن المشكلة التي تضع زواجنا علي حافة الانهيار هي أنني علمت منذ ثلاث سنوات أن زوجي مدمن مخدرات ، إنه يتعاطي الهيروين ، ولا أعلم ماذا أفعل ؟ وأنت تمثل الأمل الأخير بالنسبة له فهل نجد عندك حلاً ؟!
- الأمل بالله كبير ، ولكن هذه المشكلة لا تحل بالحديث عبر الهاتف ، من الضروري أن أقابل زوجك .
? أتمني أن يقبل ذلك سأحاول ولكن كيف ؟!
- ستجدينني في العيادة كل يوم اثنين .
انتهت المكالمة ، وأغلقت السماعة وكلي حسرة ، فماذا عساني أفعل في هذه المشكلة ، وكما قلت فإني كنت متيقناً أن علاج الإدمان صورة من صور الإعجاز التي لا أضمن أن تتحقق مع زوجها ، وليس هناك بوادر تجعل من الممكن حدوثها ، والمثير للألم أنها ليست نهاية إنسان مدمن ولكنها نهاية أسرة بأكملها .
ولا أنكر أنه ما إن حل مساء ذلك اليوم ، حتي أخذتني دوامة الحياة ونسيت ذلك الموضوع .
في يوم اثنين وبعد ثلاثة أسابيع من المكالمة الهاتفية ، طرق باب العيادة ، ثم دخلت علي امرأة منقبة
ومن خلفها رجل نحيل جداً ظهرت عليه مظاهر الإعياء الشديد ، نظرت إليهما وقلت : نعم هل من خدمة ؟!
فقالت : كنت قد اتصلت بك هاتفياً منذ حوالي ثلاثة أسابيع وحدثتك عن مشكلتي التي هي مشكلة زوجي مع الإدمان ، وهو الآن جاء راغباً في العلاج .
فأعادت إلي الذاكرة تلك المحادثة الهاتفية ، فقلت مستدركاً تسرعي بعدم الترحيب : أهلاً وسهلاً تفضلا بالجلوس ، نظرت إلي الزوج وقلت : مرحباً مرحباً أود أن نتعارف .
فقال : أولاً .. أرجو من زوجتي أن تتركني معك علي انفراد .
فخرجت الزوجة بهدوء ودون تردد .
لم أكن أظن في يوم أني سأكون فريسة للمخدرات فأنا شاب من عائلة محترمة ، وقطعت الشوط الأكبر من مراهقتي وشبابي في صحبة الشباب المتدين ، ولكن في لحظة ، لا أدري كيف بدأت سقطت في مستنقع المخدرات وكأن عمري حينها 24 سنة ، وفي السنة التي تلت تزوجت أم صالح فقررت أن أبتعد عن صحبة السوء وطريق المخدرات ونجحت في ذلك لمدة عام كامل عانيت في الأسابيع الأولي ، لكنني حرصت أن تكون معاناتي في نفسي لا يعلم بها أحد إلا الله ، فما عرف أحد بهذا ولا حتي زوجتي ، وفي نهاية هذا العام رزقنا الله بصالح وبينما أعيش ذروة سعادتي بمولودي الأول ، هويت مرة أخري في هاوية المخدرات ، كنت أقول إنني أستطيع أن أقلع عنها في أي وقت شئت ، وأطلقت لنفسي عنان الأماني بأني سأتركها غداً .. بعد أسبوع .. شهر ، وفي ترددي هذا مر عام لم أستطع الفكاك منها ، والذي استطعت فعله – فقط – أن جعلت الأمر سراً ، وكذلك غيرت طريقة التعاطي من الشم إلي الإبر ومر العام الثالث علي زواجنا وما زال إدماني سراً لا يعلمه أحد ، أحياناً تسألني زوجتي عن مصروفاتي الكثيرة ولكنني أتهرب ، وفي السنة الرابعة من الزواج زاد إدماني علي الإبر بل إني أصبحت أخذها في المنزل وبدأت تظهر علي علامات الإدمان والتخدير ، وتحت إلحاح أم صالح والتي كانت وقتها حاملاً أخبرتها بسري هذا .
صُدمت حين علمت بالحقيقة ، بل وكادت أن تفقد صوابها ، ولكنها تمالكت نفسها سريعاً وخرجت من الغرفة ، والأكثر أنها عادت إلي بعد دقائق وقد علت وجهها ابتسامة جميلة ، وهي تقول : لا يهمك يا أبو صالح سيعود كل شيء إلي سابق عهده بإذن الله ، سأضع يدي في يدك حتي تستطيع أن تُشفي من مرضك هذا .
وهكذا كانت دائماً بجانبي فأنجح شهراً وأسقط شهراً وأنقطع شهرين أنقطع عن المخدرات أياماً وأعود إليها .. وأنقطع .. وأعود وهكذا لعام كاملٍ ، لم تيأس أو تتردد ، ولم تفضح أمري أبداً ، وأنا لا أملك إلا أن أشفق عليها ، فزوجة المدمن ليست زوجة لرجل بل لنصف أو حتي ربع رجل ، وفي نهاية العام ، جاءتني وقالت : لم يعد أمامنا إلا اللجوء إلي العلاج الطبي ، فها أنا أمامك يا دكتور من أجل أن أتوب إلي الله أولاً ثم من أجل زوجتي العظيمة هذه ومن أجل أسرتي ثم من أجل نفسي .
لن أطيل عليكم ، فبعد مرور ستة أشهر ، شهدت بفضل الله المعجزة تتحقق ، وجدتني أقف أمام بداية إنسان جديد ، بطاقة جديدة ، آمال جديدة ، وانطلاقة جديدة ، وكأنه مولود جديد في عمر الثلاثين .
في آخر زيارة جاءني وقال : بعد شكر الله كان علي أن أشكرك علي المساعدة ، ولكن اسمح لي أن أقول إنه بعد فضل الله يعود الفضل إلي زوجتي .
نظرت إليه وقلت : لو أنك قلت شيئاً غير هذا لاعتبرتك ناكراً للجميل .
نعم الزوجة ، بعد فضل الله ، كانت هي دينمو المعجزة ، التي من ورائها تحقق هذا الإنجاز الفريد ، فلو كان خلف كل مدمن زوجة مثل أم صالح لما فشل الأطباء في علاج حالات الإدمان .
الفرحة
العدد (7) أبريل 1997 ـ ص : 46