46- وسئل أيضاً:عن حكم ما درج على ألسنة بعض الناس من قولهم ( حرام عليك أن تفعل كذا وكذا) ؟
فأجاب بقوله : هو الذي وصفه بالتحريم إما أن يكون ما حرم الله كما لو قالوا حرام أن يعتدي الرجل على أخيه أو أشبه ذلك فإن وصف هذا الشيء بالحرام صحيح مطابق لما جاء به الشرع . وأما إذا كان الشيء غير محرم فإنه لا يجوز أن يوصف بالتحريم ولو لفظاً ؛ لأن ذلك قد يوهمه تحريم ما أحل الله –عز وجل – أو يوهم الحجر على الله – عز وجل – في قضاءه وقدره بحيث يقصدون بالتحريم التحريم القدري، لأن التحريم يكون قدريا ويكون شرعيا فيما يتعلق بفعل الله – عز وجل – وإنه يكون تحريماً قدرياً ، وما يتعلق بشرعه فإنه يكون تحريما شرعيا على هذا فينهى هؤلاء على إطلاق مثل هذه الكلمة ولو كانوا لا يريدون بها التحريم الشرعي ، لأن التحريم القدري ليس إليه أيضا بل هو إلى الله – عز وجل – هو الذي يفعل ما يشاء فيحدث ما يشاء وأن يحدث ويمنع ما شاء أن يمنعه ، فالمهم أن الذي أرى أنه يتنزهون عن هذه الكلمة وأن يبتعدوا عنها وإن كان قصدهم في ذلك شئ صحيحاً . والله الموفق .
47- سئل فضيلة الشيخ : قلتم في الفتوى رقم (46) أن التحريم يكون قدرياً ويكون شرعياً فنأمل من سيادتكم التكرم ببيان بعض الأمثلة ؟
فأجاب بقوله : سؤالكم عما ورد في جوابنا رقم (46) من أن التحريم يكون قدرياً ويكون شرعياً وطلبكم أمثلة لذلك فإليكم ما طلبتم : فمن التحريم القدري قوله – تعالى – في موسى : . ( وحرمنا عليه المراضع من قبل((1) . وقوله – تعالي : ) وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) (2) ومن التحريم الشرعي قوله – تعالى - : ) حرمت عليكم أمهاتكم ( (3) . وقوله – تعالى - ) قل لا أجد فيما أوحي إلىّ محرما على طاعم يطمعه إلا أن يكون ميتة ( (4) الآية .
48- وسئل فضيلة الشيخ : نسمع ونقرأ كلمة (حرية الفكر) ، وهي دعوة إلى حرية الاعتقاد ، فيما تعليقكم على ذلك ؟
فأجاب بقوله : تعليقنا على ذلك أن الذي يجيز أن يكون للإنسان حر الاعتقاد ، يعتقد ما شاء من الأديان فإن كافر ، لأن كل من اعتقد أن أحداً يسوغ له أن يتدين بغير دين محمد صلى الله عليه وسلم فإنه كافر بالله – عز وجل – يستتاب فإنه تاب وإلا وجب قتله . والأديان ليست أفكاراً ، ولكنها وحي من الله – عز وجل – ينزله على رسله ، ليسير عبادة عليه ، وهذه الكلمة – أعني كلمة – فكر الإسلامية ، التي يقصد بها الدين . يجب أن تحذف من قواميس الكتب الإسلامية ، لأنها تؤدي إلى هذا المعنى الفاسد ، وهو أن يقال عن الإسلام : فكر ، والنصرانية فكر ، واليهودية فكر – وأعني بالنصرانية التي يسميها أهلها بالمسيحية – فيؤدي إلى أن تكون هذه الشرائع مجرد أفكار أرضية يعتنقها من شاء من الناس ، والواقع أن الأديان السماوية أديان من عند الله – عز وجل – يعتقدها الإنسان على أنها من البشر وهي من الله تعبد بها عبادة ، ولا يجوز أن يطلق عليها ( فكر ) . وخلاصة الجواب : أن من يعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء وأنه حر فيما يتدين به فإنه كافر بالله – عز وجل – لأن الله – تعالى – يقول : ) ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ( (1) . فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن ديناً سوى الإسلام جائز يجوز للإنسان أن يتعبد به بل إذا اعتقد هذا فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة .
49- سئل فضيلة الشيخ : هل يجوز أن يقول الإنسان للمفتي ما حكم الإسلام في كذا وكذا ؟ أو ما رأي الإسلام ؟
فأجاب بقوله : لا ينبغي أن يقال (ما حكم الإسلام في كذا ) أو ( ما رأي الإسلام في كذا ) فإنه قد يخطئ فلا يكون ما قاله حكم الإسلام ، لكن لو كان الحكم نصاً صريحاً فلا بأس أن يقال : ما حكم الإسلام في أكل الميتة؟ فنقول : حكم الإسلام في أكل الميتة أنها حرام .
50- سئل فضيلة الشيخ : عن وصف الإنسان بأنه حيوان ناطق ؟
فأجاب بقوله : الحيوان الناطق يطلق على الإنسان كما ذكره أهل المنطق ، وليس فيه عندهم عيب ، لأنه تعريف بحقيقة الإنسان ، لكنه في العرف قول يعتبر قدحاً في الإنسان ، ولهذا إذا خاطب الإنسان به عامياً فإن العامي سيعتقد أن هذا قدحاً فيه ، وحينئذ لا يجوز أن يخاطب بها العامي ؛ لأن كل شئ يسئ إلى المسلم فهو حرام ، أما إذا خوطب به من يفهم الأمر على حسب اصطلاح المناطقة ، فإن هذا لا حرج فيه ، لأن الإنسان لا شك أن حيوان باعتبار أنه فيه حياة ، وأن الفصل الذي يميزه عن غيره من بقية الحيوانات هو النطق . ولهذا قالوا : إن كلمة (حيوان ) جنس، وكلمة (ناطق ) فصل ، والجنس يعم المعرف وغيره ، والفصل يميز المعرف عن غيره .
51- سئل فضيلة الشيخ : عن قول بعض الناس : ( وخسرت في الحج كذا ، وخسرت في العمرة كذا ، وخسرت في الجهاد كذا ، وكذا ؟
فأجاب قائلا : هذه العبارات غير صحيحة ، لأن ما بذل في طاعة الله ليس بخسارة ، بل هو الربح الحقيقي ، وإنما الخسارة ما صرف معصية ، أو في ما لا فائدة فيه ، وأما ما فيه فائدة دنيوية أو دينية فإنه ليس بخسارة .
52- سئل فضيلة الشيخ : عن قول الإنسان لرجل : ( أنت يا فلان خليفة الله في أرضه ) ؟
فأجاب بقوله : إذا كان ذلك صدقاً بأن كان هذا الرجل خليفة يعني ذا سلطان تام على البلد ، وهو ذو السلطة العليا على أهل هذا البلد ، فإن هذا لا بأس به ، ومعنى لو لنا ( خليفة الله ) أن الله استخلفه على العباد في تنفيذ شرعه ، لأن الله – تعالى – استخلفه على الأرض ، والله – سبحانه وتعالى – مستخلفنا في الأرض جميعاً وناظر ما كنا نعمل ، وليس يراد بهذه الكلمة أن الله – تعالى – يحتاج إلى أحد يخلفه ، في خلقة ، أو يعينه على تدبير شئونهم ، ولكن الله جعله خليفة يخلف من سبقه ، ويقوم بأعباء ما كلفه الله .
53- وسئل فضيلته : يستخدم بضع الناس عبارة (راعني) ويقصدون بها انظرني ، فما صحة هذه الكلمة ؟
فأجاب قائلا: لا الذي أعرف أن كلمة : (راعني ) يعني من المراعات أي أنزل لنا في السعر مثلاً ، وأنظر إلى ما أريد ، ووافقني عليه ، وما أشبه ذلك ، وهذه لا شئ فيها . وأما قول الله – تعالى - : ) يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا ( (1) . فهذا كان اليهود يقولون (راعنا)، من الرعونة فينادون بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يريدون الدعاء عليه ، فلهذا قال الله لهم : )وقولوا انظرنا (. وأما (راعني ) ، ليست مثل (راعنا) ، لأن راعنا منصوبة بالألف وليست بالياء .
54- وسئل حفظه الله : ما حكم قول (رب البيت) ؟ (رب المنزل) ؟
فأجاب: لا قولهم رب البيت ونحوه ينقسم أقساماً أربعة : القسم الأول : أن يكون الإضافة على ضمير المخاطب في معنى لا يليق بالله – عز وجل – مثل أن يقول (أطعم ربك) فهذا منهي عنه لوجهين : الوجه الأول : من جهة الصيغة لأنه يوهم معنى فاسداً بالنسبة لكلمة رب ، لأن الرب من أسمائه – سبحانه- ، وهو سبحانه يطعم ولا يطعم . الوجه الثاني : من جهة أنك تشعر العبد أو الأمة بالذي لأنه إذا كان السيد ربا كان العبد مربوباً والأمة مربوبه. وأما إذا كان في معنى يليق بالله – تعالى – مثل أطلع ربك كان النهي عنه من أجل الوجه الثاني . القسم الثاني : أن تكون الإضافة إلى ضمير الغائب مثل ربه ، وربها ، فإن كان في معنى لا يليق بالله كان من الأدب اجتنابه ، مثل أطعم العبد ربه أو أطعمت الأمة ربها ؛ لئلا يتبادر منه إلى الذهن معنى لا يليق بالله . وإن كان في معنى يليق بالله مثل أطاع العبد ربه وأطاعت الأمة ربها فلا بأس بذلك لانتفاء المحذور . ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ، في حديث اللقطة في ضالة الإبل وهو حديث متفق عليه " حتى يجدها ربها " وقال بعض أهل العلم أن حديث اللقطة في بهيمة لا تتعبد ولا تتذلل كالإنسان ، والصحيح عدم الفارق لأن البهيمة تعبد الله عبادة خاصة بها . قال – تعالى - ) ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ( (1) وقال في العباد ) وكثير من الناس ( (2) ليس جميعهـم ) وكثير حق عليه العذاب ( (3) القسم الثالث : أن تكون الإضافة على ضمير المتكلم فقد يقول قائل بالجواز لقوله تعالى حكاية عن يوسف : ) إنه ربي أحسن مثواي( (4) أي سيدي، وإن المحظور هو الذي يقتضي الإذلال وهذا منتف لأن هذا من العبد لسيده . القسم الرابع : أن يضاف إلى الاسم الظاهر فيقال : هذا رب الغلام فظاهر الحديث الجواز وهو كذلك ما لم يوجد محظور فيمنع كما لو ظن السامع أن السيد رب حقيقي خالف لمملوكه .