الموضوع: بالون فارغ
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2010-11-03, 6:58 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي بالون فارغ
بالون فارغ
إيناس حسين مليباري





لأنَّه فارغُ الجوف، فلا ملجأَ له سوى تلك الزُّرقة؛ لتحتضنَ فراغ جوفه لأجَلٍ غير معلوم، أو ربَّما إلى أن تلتهم تلك الزُّرقة ذلك الفراغ؛ لتضمَّه لفضاء أرجائها.

ذلك هو حال "البالون"، يهيم تائهًا يحاول استقطابَ مَن حوله، فيلفظه الجميع عدَا السماء، وأحيانًا الأرض، فيعيش محدودَ العمر إلى أن يقلَّ فراغه - يتقلَّص حجمه - فيفنَى.

طَيْف البالون يُذكِّرني بالإنسان الفارِغ الجوف، والذي تشبَّع بعبارات الثناء مِن كلِّ حدب، حتى بات كالبالون الذي في نظر نفسه أنه بالِغ الجمال، ولكنَّه في حقيقته - والتي يعلمها مَن حوله - سيخبو بريقُه لا محالة؛ لأنَّ "وقوده" صنع لزمن مؤقَّت، هل يعني هذا أن يحرم الثناء لنبيد أصحاب الجوف الفارِغ؟

قولٌ يختزل الطرقات، ويجيب عن التساؤل، يقول ناتانييل براندن في كتابه "علم نفس تقدير الذات": "لا يوجد حُكمٌ قيِّم أهمُّ للإنسان، ولا عامل أكثر حماسًا في سيكولوجية نموِّه ودوافعه من تقدير الإنسان لنفسه"، ويقول في موطن آخر: "إنَّ طبيعة تقييم الذات لها آثارٌ عميقة في عملية التفكير عند الإنسان، وفي عواطفه ورغباته، وقِيَمه وأهدافه، إنَّها المِفتاح الوحيد الحاسم الهام لتصرفاته".

ومِن هذا المنطَلق نقول: إنَّ الثناء والمديح وتقبُّل المجتمع لإنسانٍ ما لهي ضرورةٌ وحاجة نفسيَّة، وجودها يشبع الرغبة، وبالتالي يَصلُح النمو، وغيابها يعني بَدْء انحدار المسار، ومؤشر لتواتر السلبيات.

لن أتحدَّث عن المديح من محور أهميته وتأثيره، ولكنِّي سأتحدث عن كيفية استخدامه، وإدارة دفته؛ لنأخذ الإنسان طفلاً، كيف يؤثِّر المديح على نفسه؟

عندما يتكرَّر على مسامعه بأنَّه رائع وعظيم، فسيصاحبه الملل أولاً، هذا إلى جانب التشكيك في بعض الجوانب، فمثلاً سيُحدِّث نفسه قائلاً: "إنْ كنت عظيمًا كما يزعمون، فلِمَ لَمْ أتمكن من فِعل ذلك الأمر؟ يبدو أنَّ مَن حولي يهزأ بي، أنا لست عظيمًا في الحقيقة!".

أوردتْ لنا المؤلفتان Elaine Mazlish وAdele Faner في كتابهما كيف تتحدَّث فيصغي الصغار إليك، وتصغي إليهم عندما يتحدَّثون؟ طريقة - أجدها مُثلى - لاستخدام المديح؛ ليرقَى بمستواه.

صف، عوضًا عن التقييم:
أولاً: صِف ما ترى: "أرى أرضًا نظيفة، وسريرًا مرتَّبًا، وكتبًا مصفوفة بإتقان على الرُّفوف".

ثانيًا: صِف شعورك: "إنَّه لسُرورٌ بالِغ أن أدخل هذه الغُرْفة".

ثالثًا: صف سلوك الطفل الذي يستحقُّ الثناء بكلمة واحدة: "لقد رتَّبتَ أقلامك الرصاص والحِبر في علب منفصلة، هذا ما أدعوه التنظيم".

حسنًا، ما الفارِق بين إيجاز المديح في كلمة "رائع" وبين ما سبق؟

أولاً: يدرك الطفل ما راق لـ "المادح"، وبالتالي يعاود تَكرار الفِعل، فعندما يُرتِّب الطفل سريرَه، ويرمي الأوراق في سلَّة المهملات، وأمور كثيرة فعَلَها؛ لتظهرَ الغرفة بشكلها النهائي، فهو حتمًا ينتظر مدحًا يظهر تفاصيل جهدِه، بينما كلمة "رائع"، تبتر الجهد المبذول، وتقتل فرحةَ الإنجاز المولودة.

ثانيًا: تتيح هذه التفاصيل - المدح الوصفي - مساحاتِ حديث للطفل؛ ليبديَ رأيه، ويصف ما بداخله، فعندما يقال للطفل في وصف لوحته، بأنَّ اللون الأزرق مع الأخضر قد جعلاَ من شكل الدائرة معنًى آخرَ، وأضاف الخط المتقطع بُعدًا آخر، فنجده يسارع بقول: صحيح، فأنا وجدتُ الأمر كذلك.

وقد يسهب في الكيفية التي أخرج بها اللوحة، فقط لأنَّه لمح إشارة خضراء مِن القول بأنْ: انطلق كما تشاء.

ثالثًا: تزداد حصيلتُه المعرفية واللُّغوية، فعندما يُقال له بأنَّ كذا وكذا يُدعَى التنظيم، فهو بذلك يكتسب مفهومًا جديدًا، ويكون القائل قد أصاب عُصفورَين بحجر واحد - كما يُقال - فمِن جهة قد عزَّز ثقة الطفل بنفسه، ومِن جهة أخرى قد أكسب طفلَه مصطلحاتٍ جديدة.

نهايةً، تقول المؤلفتان:
"العالَم كلُّه سيقول لأطفالنا أخطاءهم غالبًا وجهرًا ، مُهمَّتُنا أن نُعرِّف أطفالنا أين الصواب فيما يفعلون"


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟