السجين الهارب
منال عبدالعزيز السالم
مجرم خطير، محكوم عليه بالسجن مدى الحياة، حذَّرَنا الإسلام من تركه حُرًّا طليقًا، وأمرَنا الهادي الحبيب - صلى الله عليه وسلم - أن نشدَّ وثاقه، وأوصانا سلَفُنا الصالح بحبسه وتقييده.
فهو مُجْرم عتيد عنيد، يستطيع أن يقطع الصِّلات، ويفرِّق القلوب، ويفكِّك الأَواصر، ويحرق المودَّة، ويهدم البيوت، ويشتِّت الأُسَر، بل يستطيع إسقاط دُوَل، وتدمير مجتمعات!
ومع كثرة التحذيرات من شرِّه وخطَرِه، إلاَّ أنه استطاع أن يفلت من قيده، ويهرب من زنزانته؛ ليمارس جرائمه البشعة بكل حرِّية، فلا بُدَّ أن يقف عند حَدِّه، وأن يعود إلى سجنه، ونحن جميعًا مسؤولون عن تسليمه للعدالة، وحراسته؛ لكي لا يَفِرَّ ويهرب، وإحكام قيْدِه وإلجامه؛ حمايةً للناس من شرِّه.
المجرم الخطير الهارب موجود داخل فَمِ كُلِّ واحد منَّا، يعيش بين فَكَّيْه، إنه اللسان!
هذا الهارب إنْ بَقِي حرًّا فسيعيث في الأرض فسادًا؛ يَغتاب مسلمًا، يَتَّهِم بريئًا، يَسْخر من مؤمن، ينقل الأخبار المغلوطة، يمشي بالنَّميمة، يتتبَّع السَّقطات، يوغِرُ الصُّدور ويحشوها غِلاًّ وحقدًا حين يزرع فيها سوء الظَّن، وقد ينشر البِدَع ويُسَوِّق الخُرافات، وقد ينطلق بساقط الألفاظ ومَمْجوج الكلمات وجارح العبارات، فيدمي القُلوبَ ويكسر الخواطر، بل قد يقوِّض بناء المجتمع، ويزعزع أمن الوطن بتشجيع الأفكار المُضَلِّلة والترويج للشائعات المُفْسِدة.
فلا عجب إن كان حبسه عن الحديث بغير ما فيه خير ونفع علامةً على سمُوِّ النَّفس وكمال إيمانها؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فلْيَقُل خيرًا أو لِيَصْمُت))؛ رواه البخاري ومسلم.
لا بُدَّ أن يَمْثُل هذا المجرم الخطير أمام العدالة، ويُخيَّر بين خيارين لا ثالث لهما:
إمَّا أن يستقيم ويتحدَّث بطيب القول؛ مِن ذِكْرٍ لله، وعلمٍ نافع، ودعوة إلى الخير، وإصلاح ذات البين، أو أن يُحْبَس طيلة حياته مُقيَّدًا بالتقوى ومراقبة الله، وليس لهذا المُجْرم خيار ثالث.