السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَاقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا نَزَلَتَا فِي شَأْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص لَمَّا أَسْلَمَ , وَأَنَّ أُمّه وَهِيَ حَمْنَة بِنْت أَبِي سُفْيَان بْن أُمَيَّة حَلَفَتْ أَلَّا تَأْكُل ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَة قَبْلهَا .
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًانَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف ; أَيْ مُصَاحِبًا مَعْرُوفًا ; يُقَال صَاحَبْته مُصَاحَبَة وَمُصَاحِبًا . و " مَعْرُوفًا " أَيْ مَا يَحْسُن . وَالْآيَة دَلِيل عَلَى صِلَة الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْمَال إِنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ , وَإِلَانَة الْقَوْل وَالدُّعَاء إِلَى الْإِسْلَام بِرِفْقٍ . وَقَدْ قَالَتْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَدْ قَدِمَتْ عَلَيْهَا خَالَتهَا وَقِيلَ أُمّهَا مِنْ الرَّضَاعَة فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَة أَفَأَصِلهَا ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ) . وَرَاغِبَة قِيلَ مَعْنَاهُ : عَنْ الْإِسْلَام . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالظَّاهِر عِنْدِي أَنَّهَا رَاغِبَة فِي الصِّلَة , وَمَا كَانَتْ لِتَقْدَم عَلَى أَسْمَاء لَوْلَا حَاجَتهَا . وَوَالِدَة أَسْمَاء هِيَ قُتَيْلَة بِنْت عَبْد الْعُزَّى بْن عَبْد أَسَد . وَأُمّ عَائِشَة وَعَبْد الرَّحْمَن هِيَ أُمّ رُومَان قَدِيمَة الْإِسْلَام .
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَوَصِيَّة لِجَمِيعِ الْعَالَم ; كَأَنَّ الْمَأْمُور الْإِنْسَان . و " أَنَابَ " مَعْنَاهُ مَالَ وَرَجَعَ إِلَى الشَّيْء ; وَهَذِهِ سَبِيل الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ . وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ الْمَأْمُور سَعْد , وَاَلَّذِي أَنَابَ أَبُو بَكْر ; وَقَالَ : إِنَّ أَبَا بَكْر لَمَّا أَسْلَمَ أَتَاهُ سَعْد و عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَسَعِيد وَالزُّبَيْر فَقَالُوا : آمَنْت ! قَالَ نَعَمْ ; فَنَزَلَتْ فِيهِ : " أَمْ مَنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَر الْآخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه " [ الزُّمَر : 9 ] فَلَمَّا سَمِعَهَا السِّتَّة آمَنُوا ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : " وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّه لَهُمْ الْبُشْرَى " إِلَى قَوْله " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه " [ الزُّمَر : 17 - 18 ] . وَقِيلَ : الَّذِي أَنَابَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَلَمَّا أَسْلَمَ سَعْد أَسْلَمَ مَعَهُ أَخَوَاهُ عَامِر وَعُوَيْمِر ; فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مُشْرِك إِلَّا عُتْبَة . ثُمَّ تَوَعَّدَ عَزَّ وَجَلَّ بِبَعْثِ مَنْ فِي الْقُبُور وَالرُّجُوع إِلَيْهِ لِلْجَزَاءِ وَالتَّوْقِيف عَلَى صَغِير الْأَعْمَال وَكَبِيرهَا .
تفسير القرطبي
التعديل الأخير تم بواسطة الاندلسي ; 2006-06-25 الساعة 8:05 PM.
توقيع الاندلسي |
حسبي بعلمي أن نفع ***** ما الذل ألا في الطمع من راقب الله رجــع ***** عن سوء ما كان صنــع ما طار طـير وارتـفع **** ألا كــما طار وقــع
|
|