بسم الله الرحمن الرحيم
* قال ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص/138) :
• لقيت مشايخ ؛ أحوالهم مختلفةٌ ، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم .
- وكان أنفعهم لي في صحبةٍ : العاملُ منهم بعلمه ، وإن كان غيره أعلم منه .
• ولقيت جماعةً من أهل الحديث يحفظون ويعرفون ؛ ولكنهم كانوا يتسامحون في غيبةٍ يخرجونها مخرج جرحٍ وتعديلٍ ، ويأخذون على قراءة الحديث أجراً ، ويُسرعون بالجواب لئلاَّ ينكسر الجاه ، وإن وقع خطأ !.
• ولقيت عبدالوهَّاب الأنماطي ؛ فكان على قانون السلف ؛ لم يُسْمَع في مجلِسهِ غيبةٌ ، ولا كان يطلبُ أجراً على إسماع الحديث ، وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى ، واتَّصل بكاؤه !!!.
• فكان - وأنا صغير السنِّ حينئذٍ – يعملُ بكاؤه في قلبي ، ويبني قواعد .
وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل .
• ولقيت أبا منصور الجواليقي ؛ فكان كثير الصمت ، شديد التحرِّي فيما يقول ، متقناً محقِّقاً ، ورُبَّما سُئل المسألة الظاهرة ، التي يبادر بجوباها بعض غلمانه = فيتوقَّف فيها حتى يتيقَّن ، وكان كثير الصوم والصمت .
• فانتفعت بهذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما ؛ ففهمتُ من هذه الحالة : أنَّ الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول .
- فالله الله في العمل بالعلم فإنه الأصل الأكبر ، والمسكين كل المسكين : من ضاع عمره في علمٍ لم يعمل به ؛ ففاته لذات الدنيا ، وخيرات الآخرة ؛ فقدم مفلساً مع قوَّة الحجَّة عليه . انتهى كلامه رحمه الله.
=====================
• وقال بهاء الدين الباعوني ( ت:871هـ) في قصيدة يعارض بها قصيدة ( بانت سعاد ) ، فيها إزدراءٌ بالنفس وذنوبها وتماديها في الخطايا ، ومنها :
ولـــي لــسـانٌ بــقـول الـحـق iiمـعـترفٌ بـــه ولـلـنـفس عـنـد الـفـعل تـبـديلُ ii!!
أســتـغـفـر الله مـــمــا جــنــتـه يـــــدي مـــن الـمـعـاصي وســتـر الله iiمـسـدولُ
أسـتـغفر الله مــن نـقـض الـعهود iiومـن جـنـايـتـي حــيـن غـرَّتـنـي iiالأبـاطـيـلُ
أسـتـغفر الله كــم ضـيَّـعْتُ مــن iiزمـني يـــا لــيـت إذهـابـه فــي اللهو iiتـعـطيلُ
يــا لـيـت عـيـني لا ذاقــت لـذيذ iiكـرىً ولـيـت دمـعـي عـلـى الـخـدَّين iiمـطلولُ
ولـيـتـني لـــم أنـــل مــن مـلـعبٍ iiأربــاً مــــن أجــلــه عـمـلـي باللهو iiمــدخـولُ
ولـيـتـني بـالـنـاس لـــم أكـــن مـخـتلطاً فـــــإن جــمـعـهُـمُ بــالــمـوت iiمــفـلـولُ
يـالـيتهم مــن لـسـاني لــو نـجوا iiويـدي إن لم يكن عن معاصي النفس تحويلُ !
يـا نـفس كـم ذا التواني والشباب مضى كــأنـمـا الــقـلـبُ بـالـعـصيان مـجـبـولُ
كـــم ذا الـتـهـاون مـــن إحــدى iiلـثـانيةٍ ما اللهو – والله – عند النفس مملولُ ii!
مـا تُـمسِكُ الـعهد إن تـابت وإن iiرجعت إلاَّ كــمــا يــمـسـك الــمــاءَ الـغـرابـيـلُ
لــهــا مــــن الــغــدر أنــــواعٌ مــلـوَّنـةٌ كــمــا تــلــوَّن فــــي أثـوابـهـا iiالــغـولُ
مـا حـيلتي فـي صلاحي وهو ليس iiإلى إرادتـــــي والــحـجـى باللهو iiمــعـقـولُ
إن لــم يـسـاعدني الـتـوفيقُ يــا iiأسـفـي فــــدأبُ نــفـسـيَ تــسـويـف وتـسـويـلُ
إن انـتظرت ارعـواء الـنفس كـم ومتى والـنـفـس بـالـطـبع فــي آمـالـها iiطــولُ
مــالـي ســوى قـصـد بــاب الله iiمـلـتجأً فــإنـنـي مــنــه بــالألـطـاف iiمــشـمـولُ
يـــاربِّ لـيـس بـلـوغي مـأربـي iiبـيـدي فـــإنَّ مَـــنْ لـــم تُـغِـثْـهُ فــهـو iiمـخـبولُ
يــاربِّ صــلِّ عـلـى الـهـادي وعِـتـرَته مـا انـبثَّ فـي الأرض جـيلٌ بـعده iiجيلُ
كـــذاك ســلِّـم عـلـيـهم كـلَّـمـا iiصـعَـدت أعــمــال قــــومٍ لــهــم ذكـــرٌ وتـهـلـيلُ
=====================
* قال ابن الجوزي رحمه الله – أيضاً - في صيد الخاطر (ص/22) :
• أعظم المعاقبة أن لا يحسَّ المعَاقَبُ بالعقوبة ، وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة ! ..
كالفرح بالمال الحرام ، والتمكُّن من الذنوب ؛ ومن هذه حاله لا يفوز بطاعةٍ .
• وإني تدبَّرت أحوال أكثر العلماء والمتزهِّدين فرأيتهم في عقوباتٍ لايحسُّون بها ، ومعظمها من قِبَل طلبهم للرياسة .
• فالعالم منهم يغضب إن رُدَّ عليه خطؤُهُ ، والواعظ متصنِّعٌ بوعظه ! ، والمتزهِّدُ منافقٌ أو مراءٍ .
• فأوَّلُ عقوباتهم إعراضهم عن الحق ؛ اشتغالاً بالخلق .
• ومن خفيِّ عقوباتهم : سلب حلاوة المناجاة ولذَّة التعبُّد .
• إلاَّ رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات = يحفظ الله بهم الأرض ؛ بواطنهم كظواهرهم ؛ بل أجلى ، وسرائرهم كعلانيتهم ؛ بل أحلى ، وهممهم عند الثريَّا ؛ بل أعلى ، إنْ عُرِفُوا تنكَّروا ، وإن رُئيت لهم كرامةٌ أنكروا .
• فالناس في غفلاتهم ، وهم في قطع فلواتهم !
• تحبُّهم بقاع الأرض ، وتفرحُ بهم أملاك السماء .
• نسألُ الله - عزوجل - التوفيق لاتباعهم ، وأن يجعلنا من أتباعهم . انتهى كلامه رحمه الله . إهـ . آآآآآآمين .
=====================
• شعرٌ لأبي العتاهية :
خــانــك الــطـرف iiاتــئـد أيــهــا الـقـلـب الـجـمـوح
فـدواعـى الـخـير iiوالــش ر دنــــــــو iiونــــــــزوح
كــيـف إصـــلاح iiقـلـوب إنـــمــا هـــــنّ iiقـــــروح
أحـــــســــن الله iiبــــنــــا أن الـخـطـايا لا تــفـوح !
فــــإذا الـمـشـهـور iiمــنــا بـيـن ثـوبـيه فـضـوح ii؟!
كـــم رأيــنـا مــن عـزيـز طــويـت عـنـه iiالـكـشوح
صــــاح مــنــه iiبـرحـيـل طـائـر الـدهـر iiالـصـدوح
موت بعض الناس في الأ رض على بعض فتوح ii!
سـيـصـير الــمـرء iiيـومـا جــســدا مــــا فــيـه روح
بــيـن عـيـنـي كــل iiحــي عــلــم الــمــوت iiيــلــوح
كـلـنـا فـــى غـفـلة iiوالــده ر يــــغـــدو iiويـــــــروح
لـبـنى الـدنـيا مــن iiالـدني ا غـــبـــوق iiوصـــبـــوح
رحـن فـى الـوشي iiوأص بــحـن عـلـيهن iiالـمـسوح
كــل نـطَّـاحٍ مــن iiالـدهـر لـــــه يــــومٌ نــطــوح ii!!
نُـحْ عـلى نـفسك يـا iiمـس كــيـن إن كــنـت iiتــنـوح
لــتـنـوحـنَّ ولـــــو iiعــــمِّ رت مـــا عــمـر نــوح ii!
=====================
* قال أبو الفرج عبدالرحمن ابن الجوزي - رحمه الله - في صيد الخاطر (ص/80-83) :
- قرأت هذه الآية : ( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إلهٌ غير الله يأتيكم به ) ؛ فلاحت لي إشارةٌ كدتُ أطيش منها !!.
• وذلك : أنه إن كان عني بالآية نفس السمع والبصر ؛ فإنَّ السمع آلةٌ لإدراك المسموعات ، والبصر آلةٌ لإدراك المبصرات ؛ فهما يعرضان ذلك على القلب ، فيتدبَّر ويعتبر .
• فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدلُّ على الخالق ، وتحمِلُ على طاعة الصانع ، وتحذِّر من بطشه عند مخالفته .
• وإن عنى معنى السمع والبصر فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا ؛ شُغلاً بالهوى ، فيعاقب الإنسان بسلب تلك الآلات ؛ فيرى وكأنه ما رأى ، ويسمع وكأنه ما سمِعَ ، والقلب ذاهلٌ عما يتأدَّب به !!.
• فيبقى الإنسان خاطئاً على نفسه لا يدري ما يُراد به ؛ لايؤثر عنده أنه يبلى ، ولا تنفعه موعظةٌ تجلى ، ولا يدري أين هو ؟ ولا ما المراد منه ؟ ولا أين يحمل يحملُ ؟.
• وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته ، ولا يتفكَّر في خسران آخرته ، لا يعتبر برفيقه ، ولا يتَّعظ بصديقه ، ولا يتزوَّد لطريقه !!.
- كما قال الشاعر :
الناس في غفلةٍ والموت يوقظهم ومــا يـفيقون حـتى يـنفد iiالـعمر
يـشـيِّـعـون أهـالـيـهـم iiبـحـمـعهم ويـنظرون إلـى مـا فيه قد قُبِروا
ويـرجـعون إلـى أحـلام iiغـفلتهم كـأنهم مـا رأوا شـيئاً ولا iiنظروا
• وهذه حال أكثر الناس ؛ فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات ؛ فإنها أقبح الحالات . انتهى كلامه رحمه الله .