و مما يدل على صبره و جلده في طلب العلم : ما حدثني به الدكتور محمود الميرة ( حفظه الله ) بأن الشيخ ناصر صعد على السلم في المكتبة الظاهرية ليأخذ كتاباً ( مخطوطاً ) ، فتناول الكتاب و فتحه ، فبقي واقفاً على السلم يقرأ في الكتاب لمدة تزيد على الست ساعات .
و كان الشيخ شديد التمسك بالسنة ، و كان يصوم الاثنين و الخميس من كل أسبوع ( رغم كبر سنه ) شديد الورع ، شديد التأثر ، فإذا ذكرت الآخرة أمامه بكى ، و إذا مدح في وجهه بكى ،
و قد زاره أحد الإخوة قبل سنتين أو أكثر ، و كنت معه في بيت الشيخ ، فقال له الأخ : ما سمعت عن عالم ثم رأيته إلا وجدته أقل مما سمعت عنه إلا أنت يا شيخنا ، فإننا سمعنا عنك ، فوجدناك أكثر و أعظم مما سمعنا عنك ، فبكى الشيخ ، و نهاه عن هذا المدح .
و كان الشيخ ( رحمه الله ) صريحاً ناصحاً ، إذا رأى المنكر أو مخالفاً للسنة نصحه مباشرة ، فلو رأى أحداً أكل أو شرب بشماله ، قال له : كل بيمينك ، و إذا رأى أحداً حالقاً لحيته نصحه ، و هكذا ، و عندما قرأت عليه كتابي " جواز الأخذ فيما زاد عن القبضة من اللحية " تبسم ، و قال لي : و هل عملت أنت بما في كتابك ؟؟
و لقد كنت أزوره في بيته ، فأقبل يده ، فينكر عليّ ، و يقول لي : ألم أنصحك في المرة الماضية أن لا تفعل ، فأقول له : أنت أولى الناس أن نقبل يده ، و مرة زرته ، فقبلت جبينه ، فأنكر عليّ ، و قال : هذه بدعة نجدية !
و هكذا عاش الشيخ ناصراً للسنة ، قامعاً للبدع و أهلها ، و كان بعد موته محيياً للسنة أيضاً كما في حياته ، فقد أوصى قبيل موته بوصيتين : الأولى :- أن لا تؤخر جنازته و لا ينتظروا أحداً ، و الثانية :- أن يحمل على الأكتاف من بيته إلى المقبرة ، و فعلاً نفذت هاتان الوصيتان ، فقد دفن بعد موته و تغسيله مباشرة بعد صلاة العشاء ، و حمل على أكتاف الشباب من بيته إلى المقبرة ، فرحمة الله على شيخنا الإمام رحمة واسعة ، و أسكنه و من أحبه الفردوس الأعلى ( آمين ) .