رحمك الله يا خالد .. .. وأسكنك الجنان ..
يذكر من شاهده بعد التغسيل أن وجهه كان مشرقا ..
---------------
لقد غيبوا ذاك السعيد بلمحة *** وقد حار قبر قد مضى فيه ينزل
ولم تصطبر تلك العيون عن البكا *** فسالت على كف تلوح وتسأل
فيا رب قد بت ببابك سائلا *** غفورا مجيبا للدعاء ويقبل
بأن نلتقي في جنة الخلد معهم *** بجلسات ذكر دائمات تبجل
-----------------
! ..عٍـــندهَـــا بَـكَيــــتُ .. !
----------------
إنها دوامة..
عبد المحسن .. ..
طالب جديد في مدرستي المتوسطة ..
انضم إلى فصلنا بعد انتقاله من مدرسته القديمة ..
يظهر من محياه تخفف من الذنوب والمعاصي .. فوجهه الطلق يوحي لك بذلك .. فما من شيء أظلم للوجه من المعاصي ..
--------------------
كان عبد المحسن .. حييا .. مخلص الود .. صادق المحبة .. صادق الكلمة .. لطيف المعشر ..
استطعت أن أكسبه صديقا من أول يوم ..
وربما لا يكون ذلك شيئا مستغربا في المرحلة المتوسطة ..
فعدو اليوم .. ربما يكون غدا أعز الأصدقاء ..
لا علينا ..
لم يكن عبد المحسن .. يهوى ما يهواه بقية الطلاب.. فلم يكن يحب اللعب بكرة القدم كما يحبها الآخرون .. وكنت أحيانا أشاركه في ذلك -ربما لضعف مهارتي في تلك اللعبة - فكنا نمضي الوقت في أحاديث ماتعة .. كلٌ يستمتع بجديد الآخر ..
------------
ليلة اختبار الرياضيات ..
تلقيت اتصالا ..
وكنت قد بلغت ذروة الملل ..
خاصة مع مادة كالرياضيات ..
كان الاتصال .. من عبد المحسن .. ..
اتضح من بداية اتصاله أنه يريد ( مجرد السواليف ) ..
وكان قد لاقى نفسا توافقه الرأي ..
أمضينا في الحديث ساعة .. كلما انتهينا من حادثة شرعنا في أخرى ..
لا أخفيكم ..
فبعد تلك المكالمة اتضح لي : كيف تجلس المرأة تحدث صاحبتها لساعات دون ملل ..
------------------
انتقلنا للمرحلة الثانوية ..
إلى تلك المدرسة التي تبعد عن بيتنا أكثر من 3 ( كيلوات ) ..
وهكذا هي المدارس الثانوية ..
أنت في واد .. والمدرسة في واد آخر ..
سلوا : ^حكيم زمانه^ .. حين كان يسكن شرق الرياض .. ومدرسته في غربها ..
ربما كان يدعو دعاء السفر عند ركوبه السيارة ..من بعد المسافة ..
في المدرسة الثانوية ..
تغير توزيع الطلاب ..
فأصبح عبد المحسن .. في فصل .. وكنت في فصل آخر ..
كنا نقتنص الفسحة دائما للالتقاء ..
لكن .. بعد أيام ..
افتقدت عبدالمحسن ..
فلم أعد أشاهده..
في فسحة الإفطار. .
ولا في فسحة الوضوء ..
بل ولا حتى وقت الصلاة ..
سألت عنه .. فأخبرت أنه نقل إلى مدرسة أهلية .. ليدرس المرحلة الثانوية ..
نسيت أن أخبركم أن عبد المحسن .. لم يكن متفوقا في دراسته ..
بل كان مستواه عاديا ..
وتقديره : جيد جدا .. يرتفع أحيانا .. وينخفض أخرى ..
-----------------
أيام ..
ونسيت أمر عبد المحسن .. ..
لم أدر ما أخباره ..
ولم أعلم ما حدث له ..
------------------
نجحت ولله الحمد من الصف الأول ثانوي بامتياز ..
انتقلت إلى الصف الثاني ثانوي ..
وكان تلك نقلة جديدة في حياتي ..
لا أخفيكم ..
فلم أكن متحمسا للقسم الطبيعي رغم أن أكثر زملائي التحقوا به ..
وقدمت طلبا للالتحاق بالقسم الشرعي بعد استشارة والديّ ..
والحمد لله .. التحقت بالقسم الشرعي .. وقضيت فيه أجمل أيام حياتي .. - رغم أني واجهت كثيرا من النقد واللوم بعد ذلك - .. ثم التحقت باكلية التي أرغبها ..
في الصف الثاني ثانوي .. كان القسم الشرعي فصلين ..
التحق بفصلنا طالب جديد .. يظهر عليه سيما الاستقامة ..
كان سعد مع استقامته وحماسه طالبا متميزا .. ومجتهدا ..
انتقل إلى مدرستنا من ثانوية مجاورة ..
وكان قد انتقل إلى مدرستنا عن طريق أحد المدرسين الفضلاء .. وذلك أن مدرستنا مكتضة بالطلاب .. حيث يدرس فيها أكثر من 1000 طالب .. في القسم الثانوي فقط .. ومن الصعوبة بمكان الانتقال إليها ..
------------
في ذلك اليوم ..
خرجت من فصل 2ش2 .. وقت الفسحة .. للذهاب إلى جماعة النادي ..وكنت ملتحقا بها آنذاك ..
وفي الطريق .. كانت المفاجأة ..
عبد المحسن .. ..
أهلااااااا ..
عناق حار .. ولقاء من جديد ..
أين أنت ؟؟
ما أخبارك ؟؟
--------------
كان عبد المحسن .. قد انتقل من المدرسة الأهلية إلى مدرسة حكومية مجاورة .. حيث لم يجد قبولا في مدرسة حين أراد العودة إليها ..
وفي تلك المدرسة .. تعرف على سعد .. وارتبطا مع بعض في أخوة رائعة .. ثم قاد سعد عبد المحسن .. إلى التسجيل في حلقتهم الكائنة في الحي المجاور للمدرسة ..والذي يسكن فيه عبد المحسن .. ..رغم أن سعد كان يسكن في حي بعيد عن المدرسة .. لكنها الدعوة إلى الله .. لا ترتبط بمكان ..
ثم انتقل عبد المحسن .. وسعد عن طريق مدرس الفيزياء في مدرستنا .. والذي كان مشرف حلقتهم وقائدها ..
---------------
كان عبد المحسن .. في الفصل المجاور .. فصل 2ش1 .. وكان متفاعلا مع دراسته .. حيث أخذ في الاختبار الشهري من العشرة الأوائل ..
صحيح أن العشرة الأوائل لم يكن منهم أحد قد أخذ تقدير ممتاز إلا اثنان .. إلا أن وجود طالب في العشرة الأوائل يعني اجتهاده مقارنة بالآخرين ..
---------------
كان في فصلنا مجموعة من الطلبة المستقيمين من طلبة الجمعيات المدرسية .. وكانوا قد كونوا شلة مع بعضهم .. والتي كان لها أثر واضح في بقية الطلاب ..
وكان عبد المحسن .. بعد كل حصة يزور فصلنا لنتحدث سويا في تلك الشلة المباركة ..
---------------
كان سكن عبد المحسن .. في آخر الحي قرب طريق رئيس من طرق مدينة الرياض ..
وكان على الجهة أخرى ( مسجد صندقة ) .. لم يكن له إمام ..
فكان عبد المحسن .. يقطع الطريق ليؤذن فيه ويصلي أحيانا ..وربما قنت .. - وذلك ..أيام انتفاضة فلسطين - ..
----------------
بعد فترة ..
أصبح عبد المحسن .. يتحدث كثيرا عن السيارات ..
يسأل عن هذه وهذه وتلك .. أيها أفضل ..
أصبح شراء السيارة هاجسا لعبد المحسن .. ..
ولاحظت أنه بدأ يسير مع شاب غير مستقيم ..
كان يشاركه الهم .. وربما أوصله لمنزله أحيانا ليتجاذبا أطراف الحديث عن همهم المشترك ..
----------------
ولله الحمد .. نجحت إلى الصف الثالث ثانوي ..
وكانت تلك السنة عاما حافلا بالأنشطة والإبداعات ..
لكن ..
افتقدت عبد المحسن .. ..
أين هو ؟؟
سألت عنه ..
لم أجد جوابا شافيا ..
أجوبة مختلفة ..
في النهاية ..
علمت أن صاحبنا تغيرت حاله .. وانتكس ..
وقد رسب في مادة الفقه .. فانتقل إلى مدرسة أخرى ..
لا حول ولا قوة إلا بالله ..