كيف تحافظ على ذاكرتك؟
دع حواسك تشترك في الحفظ
لقد دلت التجارب التي قام بها العالم مونستر برج على إن إشراك الحواس المختلفة في الحفظ يساعد الذاكرة على الاكتساب والتعلم، وسرعة استرجاع المعلومات، فإذا أشركت حاسة السمع مع حاسة البصر في حفظ الألوان، والأعداد، والصور، والمواد المراد تعلمها وحفظها كان من الصعب نسيانها، وكان الخطأ في استرجاعها أقل.
الحالة الصحية
* ومن الحقائق الثابتة أيضا أن الحالة الصحية، وطريقة، وأسلوب المعيشة تؤثران تأثيرا عميقا في الذاكرة، فالإسراف في العمل، وفي المأكل والمشرب، والإفراط في الجهد والتدخين، والإرهاق الذهني، كل ذلك له تأثيره على عمل الذاكرة، وقد ثبت أنه يضعف من تماسك المخزون الفكري ويقلل من سرعة استدعاء المعلومة المطلوبة.
ونحن أمام أعباء الحياة المرهقة، وسرعة إيقاعها، وكثرة المعلومات الجديدة المطلوب تذكرها واختزانها ينبغي أن نعطي أهمية قصوى للمعلومات التي نريد حفظها.. وللدماغ طريقته الخاصة في ترتيب الأوليات، وهذا الترتيب يختلف من شخص لآخر، وهذه الطريقة في الترتيب قد لا تتطابق تماما مع موجبات الوعي، ودواعي الواقع المعاش، لكنها في الحقيقة أقرب إلى نوازع القلب وعواطفه. ولكنها مع ذلك لا تزول إلا إذا أردنا لها أن تزول بالفعل، أو ألقينا بها إلى مجاهل اللاشعور، ونحن مع العالم توماس دي كوينسي حينما قال : ليس هناك نسيان كلي لأن التجارب والأحداث، والذكريات، حينما تنطبع في الذاكرة، لا تزول أبدا.
أين الذاكرة؟
نعود إلى السؤال الذي طرحناه في مقدمة الموضوع: ما هي الذاكرة؟ وفي أي جزء من الدماغ تتركز هذه الذاكرة؟ لقد أثبتت آخر التجارب العلمية بين جميع المعنيين بالأبحاث المتعلقة بالذاكرة، أن الدماغ يسجل كل ما يحدث لنا، ويذكره عندما نحتاج إلى هذا التسجيل، ذلك إذا لم تتعرض عملية التذكر هذه إلى تعطيل إما للأسباب التي سبق ذكرها أو نتيجة لمرض عضوي، أو صدمة نفسية شديدة تؤثر على مركز التذكر، وقد أكد د. وايلدر بينفيلد الباحث في مؤسسة أبحاث الأعصاب في مونتريال بكندا، أن القسم الصدغي من الدماغ هو الذي يختص بحفظ الذكريات واستدعائها، أو كما أطلق عليه خزان الذكريات الذي يسجل جميع الخبرات والمعلومات التي نتلقاها بصورة متناهية الدقة، وقد توصل إلى هذه النتيجة عندما أوصل قطبا كهربائيا خفيفا إلى اللحاء الصدغي لمريض من مرضاه، ولدهشته الشديدة وجده يتحدث عن مباراة للكرة شاهدها من عشرين عاما: وصف الملعب، واللاعبين وصفا دقيقا، ذاكرا أسماءهم وما حدث من أحد المتفرجين حينما أقتحم الملعب وأشتبك مع أحد هؤلاء اللاعبين، وبالتحقيق، والتقصي عن هذه الذكريات ثبت أن كل ذلك كان صحيحا وشديد الدقة.
الذاكرة كيمياء وكهرباء
والذاكرة كما هي كهربائية فهي أيضا كيميائية أو كما يقول د.وايلدر بيوكيميائية فالذاكرة لا تتركز في خلايا المخ فقط، ولكن في حامض الخلايا الدماغية، الذي يقوم بدور الموصل النشط بين خلايا المخ، وهو يميل إلى رأي العلماء الذين أثبتوا عمليا أن زيادة الحامض الأميني للخلايا الدماغية يعطي فاعلية للذاكرة، ويزيدها قوة، بالإضافة إلى أن هذا الحامض نفسه هو الذي يحمل الذكريات، وليست الخلية الدماغية نفسها منفردة.
فئران التجارب
وللتأكد من هذه النظرية أخذوا هذا الحامض الدماغي من دماغ فأر مدرب، وحقنوا به دماغ فأر غير مدرب، وكانت النتيجة أن الفأر غير المدرب أكتسب جميع الخبرات، والقدرات للفأر المدرب، وفي تجارب أخرى تبين أن هناك مواد معينة تتزايد مع التعلم زيادة أساسية، بالإضافة إلى مواد كيميائية أخرى تطلقها الخلايا الدماغية لنقل الحوافز العصبية من خلية لأخرى مما يؤكد أن الذاكرة أيضا كيميائية في طبيعتها كما هي كهربائية أيضا، ولا يزال البحث مستمرا في هذا الطريق..
كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يمكن تقويتها في التحصيل، واستعادة ما حصلته في أي وقت وبطريقة منظمة؟.
الذاكرة والهندسة الوراثية
والسؤال المثير حقا: هل من الممكن نقل هذا الحامض من دماغ عبقري حديث الوفاة مثلا إلى دماغ إنسان عادي؟ وهل سيكتسب هذا الإنسان العادي كل صفات العبقرية نتيجة لنقل هذا الحامض المخي إليه؟ يقول العلماء: أن التجارب أوشكت أن تعلن هذه الثورة العلمية الخطيرة، فالتجارب على الدماغ تسير جنبا إلى جنب مع التطور المذهل في الهندسة الوراثية.
مركز الذاكرة
يقول د. إي .روي جون مدير مركز الأبحاث الدماغية في جامعة نيويورك أن الدماغ بكاملة يسهم في عملية التذكر، وإن كانت بعض أجزائه أكثر إسهاما من غيرها في ذلك، ولكي يؤكد د. روي هذه النظرية قام هو ومعاونوه بزرع 43 قطبا كهربائيا موزعة على مناطق مختلفة في دماغ قطة لملاحظة التغيرات الكهربائية في أجزاء المخ، وانتهت التجربة إلى أن بعض أقسام المخ كانت أكثر استجابة للمثيرات من غيرها، غير أن المحصلة النهائية على حد قوله: إن الذاكرة ليست لها مركز محدد في المخ، ولكنها تنتشر في المخ كله، وقد أكدت التجربة أيضا أن عملية التذكر هي انطلاقات كهربية من خلية إلى أخرى مصحوبة بتغيرات كيميائية شملت الدماغ كله مما يؤكد ما سبق أن توصل إليه د. وايلدر من أن الذاكرة كهربية وكيميائية في طبيعتها ولاشك أن هذا يثير سؤال هام؟
الذاكرة ... القوة والضعف
لماذا الاختلاف في قوة الذاكرة من فرد لآخر؟. إن هناك مثلا من يتقنون ست لغات أو أكثر بخلاف لغتهم الأصلية، ويتحدثون بها بطلاقة متناهية، وهناك مثلا من يتفوقون على الكمبيوتر في لعبة الشطرنج، رغم برمجة الكمبيوتر بكل الاحتمالات المتوقعة أمام اللاعب، وهناك في المقابل من لا يجيدون حتى التحدث بلغتهم الأصلية لماذا؟
صحفي يستخدم ذاكرته بدلا من جهاز التسجيل
العالم الروسي الكسندر لوريا وصف حالة صحفي يدعي سولون فينيا مينوف كان يمتلك ذاكرة غريبة تمكنه من كتابة أي تصريحات صحفية فور عودته إلى جريدته دون أن يدون أو يسجل كلمة واحدة للمتحدث بدقة تامة، كما لو كان جهاز تسجيل، كما كان يتذكر بقدرة متناهية جدا جداول مواعيد انطلاق القطارات، والطائرات من واقع سجل سبق أن قرأه قبل أعوام، وحين وجه إليه رئيس التحرير بعض اللوم ذات مرة لأنه لا يسجل الأحاديث استطاع أن يعيد عليه أي حديث سبق أن أجراه كلمة كلمة، وبعد دراسة هذه الحالة أعلن الدكتور لوريا إنه يعترف بكل بساطة بأن قوة ذاكرة فينيا مينوف لا حدود له.
وفي برنامج إذاعي مصري استطاع أحد المواطنين من غير المتعلمين وهو مكفوف البصر أن يسبق الآلة الحاسبة في حالة جمع وطرح وضرب بعض الأرقام التي وصلت إلى ثمانية أرقام في ثمانية أرقام.
الذاكرة والذكاء
والقدرة على التذكر لا تعني الذكاء المطلق، فقد أخضع الروسي فينيا مينوف لاختبارات الذكاء المعروفة فجاءت نتيجته متوسطة للغاية. كما كان يجد صعوبة شديدة في تذوقه للشعر، وفهم معانيه، وإن كان يحفظه، ويرده، ويقولون في ذلك أن القدرة على حفظ جدول الضرب مثلا لا تضمن معرفة استعماله، لكن الذكاء الحقيقي هو القدرة على ربط المعلومات المتاحة، وتحليلها، والاستفادة منها، فقوة الذاكرة، وإن كانت مطلوبة إلا أنه لا علاقة لها بالذكاء، ولكننا يمكن أن ننمي هذه الذاكرة، وأن ننمي معها ذكاءنا أيضا. ولكن كيف؟
بالتمرين، والتحصيل، والقراءة المنظمة المرتبة، والحياة المعتدلة، وقد أثبتت الدراسات التي أجريت مؤخرا في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية: أن الذين تقدموا في السن واحتفظوا بذاكرة جيدة هو أولئك الذين استمروا في مواجهة الحياة، وتحدياتها، وكأنهم شباب في مقتبل العمر، إن استمرار اختزان المعلومات الجديدة، وربطها ببعضها، واستخلاص النتائج، والمناقشات العلمية المفيدة التي تشحذ الذهن، والذاكرة، والاشتراك في مجالس العلم، كل هذا يساعد على تقوية الذاكرة.
وقد وجدت د. باتريشيا ورتشيستر أنه كلما زاد حجم المخزون من المعلومات كلما كان ذلك في صالح الذاكرة، وفي رأيها أننا لا نتذكر الكلمات، والأحداث، بمقدار ما نتذكر المفاهيم التي تشكل نوعا من جهاز مفهرس، ومنظم يمكن استعادته في أي وقت.
وأخيرا فإن الذاكرة ليست سوى شجرة متواصلة النمو تتغذى بالمعلومات الجديدة، فقط علينا أن نحاول من وقت لآخر أن نشذب فروعها، وأن نزيل بعض أغصانها الجافة والهشة التي لا داعي لها.. حاول دائما أن تنسى توافه الأمور، ولنتذكر معا قول الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه: ولا القلب إلا أنه يتقلب
منقول من احد المواقع" مع تعديل بسيط على الموضوع"
لا تنسونا من دعواتكم الصالحة