حانت لحظة النهاية وحلّ الفراق الصعب حيث ما من لقاء إلا وآخره فراق
لنتابع معا المحطة الأخيرة من حياة شاعرنا الطيب وكيف كانت نهايته
وأين حطت رحاله
فإليكم بقية الرحلة :
الاضطراب واليأس :
إن تحدي أبي الطيب لسلطة كافور في هروبه وركوبه كل المخاطر، ثم هذه الطاقة المتفجرة من السخط والغضب في هجائه، كل ذلك يدل على مبلغ اليأس والندم في نفسه، فنجده تحداه في هروبه، ثم نقرأ هذا الفخر بالشجاعة والفروسية في اقتحام المخاطر في طريقه إلى الكوفة في مقصورته :
ضربت بها التيه ضرب القمار = إمــا لهـذا وإمــا لـذا
إذا فزعت قدمتـها الجيــاد = وبيض السيوف و سمر القنا
فلمـا انحنـا ركزنـا الرماح = فـوق مكــارمنا والعمل
وبتنــا نقبـــل أسيافنــا = ونمسحها من دماء العــدى
لتـــعلم مصر ومن بالعراق = ومن بالعواصم أني الفتــى
عاد إلى الكوفة وهو في أشد الحاجة إلى الاستقرار إلا أنه لم يستطع الإقامة فيها طويلا، فذهب إلى بغداد حيث مجلس المهلبي الذي يجتمع فيه جماعة من الشعراء والأدباء، وكان المهلبي يطمع بمدح أبي الطيب فلم يحصل إلا على زيارة الشاعر لمجلسه.
أزور أبو الطيب من جو الخلاعة والمجون الذي يحيط بالمهلبي ويظهر لي أنه كان منذ نزوله الكوفة كان يفكر في صديقه الحمداني وبأسباب الصلة به. فالشاعر لم يرد أن يتورط بمدح المهلبي والبويهيين في بغداد لكي يحافظ على العلاقة بينه وبين سيف الدولة لما كان بين سلطة بغداد وحلب من عداء.
ثم أن أبا الطيب في هذه المرحلة التي ينال فيها من الشهرة والمجد لم يجد ما يحققه من مدحه للمهلبي، بل كان يراه أقل منه شأنا وأدبا . . وظل صامتا حتى عن رد الشعراء الذين حرضهم المهلبي عليه فهجوه أقذع الهجاء، فلم يجبهم، وكذلك حرض الحاتمي عليه فكانت تلك المناظرة الحاقدة التي سجلها الحاتمي في رسالته. فكان أبو الطيب وقورا حينا وحادا أحيانا، ويغضي عن كل ذلك أوانا، وكان مكتفيا في لقاء محبي شعره وطالبي أدبه في دار صديقه علي بن حمزة البصري الذي كان قد نزل فيها.
عاد إلى الكوفة بعد أن أقام في بغداد سبعة أشهر، ويظهر أنه أراد أن يبتعد عن هذا الجو الصاخب فيها ليستقر في مكان يفكر فيه بعقد أسباب الصلة بأمير حلب. وفعلا وصلت إليه هداياه وأرسل إليه شعرا ولم يطق الإقامة في الكوفة لما كان فيها من الحوادث الدموية بسبب هجوم القرامطة عليها، واشترك المتنبي في الدفاع عنها. وعاودته الرغبة إلى الرحيل إذ كان يجد فيه متنفسا عن قلقه ولما جاءته رغبة ابن العميد من أرجان في زيارته رحل إليه ومنه إلى عضد الدولة في شيراز. وكان عضد الدولة يقيم بشيراز ويتطلع لخلافة أبيه للحكم في بغداد، وبحاجة لشاعر كبير يقدمه للناس ويعرفهم بخصاله. وفي طريق عودته إلى بغداد كان مقتله قريبا من دير العاقول 354 هـ وكان مع المتنبي جماعة من أصحابه وابنه محمد وغلامه مفلح اللذان قتلا معه على يد فاتك بن أبي جهل الأسدي وجماعته.
|
هذه نهاية الشجعان يموتون ولا تموت همتهم و إباؤهم حياتهم كلها شجاعة وبسالة
لذلك تكون وفاتهم أيضا بشجاعة كما هي حياتهم
فالمتنبي من الشخصيات التي يصعب تكرارها عبر الزمان إذ كان علامة من علامات التاريخ
العربي ـ والأجنبي أيضا ـ بشاعريته وشخصيته حيث القوة في الحق بدون نفاق ولا رياء
والذي يندر بل يكاد ينعدم وجود مثل هذه الشخصية في هذا الزمان الذي طغت عليه
المصالح وحب الذات وعدم المبالاة بالإنسانية
هذه مسيرة شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس على مر الأيام والزمان
وكانت هذه النبذة بقلم : د . زهير غازي زاهى .. ولكن باختصار وتدخل بسيط مني
ارجو أن اكون وفقت في تقديم ما يفيد من تدوين أبسط الأمور عن هذه الشخصيات البارزة
لنتعلم منها ما يمكننا من غرس الصفات التي تشعرنا بأن الحياة لسيت ماديات فقط
بل مشاعر وتفاعل إنساني ولكن برقي و علو في كل شيء في تعاملنا و تواصلنا
وفي كلماتنا وتصرفاتنا وحتى بأفكارنا ...
أحب أن اتقدم بالشكر الجزيل لكل من تعنى وقرأ ما دونته هنا في هذه الصفحة
وكل من قام بالرد ووضع توقيعه خلال سطور أنارت صفحتي .. وأحب أن أشكر
من سمح لي بأن أستغل حيزا من هذا الموقع لأجعل منه مساحة لوضع كلمات لتدوّن
بعض المعلومات عن أحب شخصية عرفتها عبر التاريخ .. فكل الشكر لكم جميعا
ولن اقول انتهيت بل سأقول بأني سأبحث عن كل ما هو جديد لأضيفه لكم عن
هذه الشخصية المتميزة فالحديث عنه لا ينتهي أبدا وبإذن الله لن ينتهي
وشكرا لكم