عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2010-09-25, 12:22 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي معلم مثالي ..[ بمناسبة بدء العام الدراسي ]
معلم مثالي ..[ بمناسبة بدء العام الدراسي ]
- - - - -
قال الراوي :
حين شرعتُ أضعُ قدمي في وظيفتي الجديدة كمعلم ، كنتُ ألتقط كل وصية ،
أو إرشاد ، أو توجيه ، أو إشارة _ سواء مقروءة أو مسموعة _
مما أحسب أنه سيعينني في هذا الطريق ، كما يتلقط الغريق كل ما يرمى إليه ولو خيطا .!!
لقد اخترت هذا الطريق الوعر ، وأنا أعرف تكاليفه الكثيرة ، ذلك لقناعتي :
أنه لا يوجد في دنيا الناس عمل أعظم ولا أشرف ولا أرقى ، ولا أعلى أجرا
عند الله ، من مهمة التربية والتعليم ، إذا حملها الإنسان بحرارة وصدق .
..
ومن ثم فلقد شرعت أقرأ كثيراً ، حول كل ما له علاقة بهذا الفن ، وكل ما يعين
على التميز في هذا الميدان ، وكنت أصغي بحرص لكل متحدث في هذه المحاور
، أشد من إصغاء طفل لحكاية ترويها له أمه قبل أن ينام .!
ولكن يعلم الله أنني لم أنتفع بشيء كما انتفعت بكلمة عابرة قالها لي أحدهم ،
حتى أن لساني ظل يدور بالتسبيح لله ، كيف أن كلمة قصيرة عابرة قد تفعل
في إنسان ما لا تفعله سنوات من القراءة والمتابعة والمحاضرات !!
قال لي :
عد بذاكرتك إلى يوم كنت طالبا ، في مراحل دراستك المختلفة ، والتقط صورة
أقوى المعلمين الذين مروا بك ، وكنت ترى أثرهم واضحا فيك وفي زملائك ،
فإن كانوا كثرة من المتميزين ، فلك أن تجمع صفات هذا ذاك وذلك ،
لتتحلى أنت بهذه الباقة من المواصفات المتميزة .. !
وكأنما رمى لي هذه الإنسان طوق نجاة ، وأنا أجد نفسي أخبط بين أمواج هائلة ،
في بحر لا حدود له ..!
وتذكرت معلما مر بي منذ أكثر من سنين طويلة ، حين كنت في أول المرحلة
الإعدادية ، لكن صورته سرعان ما انتصبت أمامي في جلاء حين استحضرتها ،
..
لم أر معلما مثله _قبله ولا بعده _ ولم يمر بي أحد استطاع أن يترك بصماته
على نفوس التلاميذ مثل هذا الإنسان ..
لقد كان أكثر المعلمين روعة ، وأحسنهم أداء ، وأكثرهم حرارة ،
وأشدهم إخلاصا ، وأعظمهم حبا لتلاميذه ، حتى الأشقياء منهم.
تراه يحترق وهو يشرح الدرس ويعيده ، ويصبر على سماجة بعض التلاميذ ،
وهم يزعمون أنهم لم يفهموا ما قال ، فيعيد ويكرر وابتسامته لم تتغير.. !!
وكان مع هذا ودوداً لا تراه إلا باشا في وجوه الجميع ، إذا دخل الفصل
دخلت معه البهجة والفرح ، وتمضي ساعة الدرس كأنها دقائق ..!
ولا يخلو الأمر من أن يكون شديداً أحيانا ، إلى درجة كنا نعجب كيف انقلب ذلك
الهدوء إلى عاصفة ..لكنه سرعان ما يرضى .. وكأن شيئا لم يحدث ..!
وفوق هذا كله كان شديد التواضع ، يتنزل معنا ليشاركنا بعض الهوايات ،
ولاسيما في خارج الفصل ، ولو بالحديث حولها ، والإرشاد فيها ، ولفت النظر
إلى بعض خفاياها ..
بل وكثيرا ما كان يشاركنا اللعب سواء كرة القدم أو كرة السلة ..!
وأهم من هذا كله أننا كنا نراه غزير المادة العلمية ، ينجح بامتياز في تبسيط
الدروس ، وكشف ما قد يخفى علينا فيها .
ويعظم إعجابك به أن تراه مسيطرا على الفصل تمام السيطرة ، ولكنها ليست
سيطرة الفتوة والعضلات والصوت العالي والتهديد والوعيد ، بل سيطرة
يتجلى فيها الحب المتبادل بيننا وبينه ..!
وكان مع هذا عذب الحديث ، طويل البال ، رزين التفكير ، طلق المحيا ،
ناجح جداً في انتقاء شواهده وقصصه وأمثاله ، التي يتحفنا بها في كل مرة يطل علينا !
وأحسب أن أروع ما كان يتحلى به ، بل أحسب أن سر نجاحه ذلك هو :
حسن صلته القلبية بالله عز وجل ، تتجلى روحانيته في أحاديثه ،
وعلى سيما وجهه ، وتشع في ابتسامته الجميلة ، وتنضح من عينيه ، وكنا نجد
صداها واضحا في قلوبنا ، بحيث أننا ننكر هذه القلوب بعد ساعة من غيابه عنا !!
كان إذا سمع أحدنا يثني عليه ، يقول في تواضع :
ليس مني شيء أبداً .. كل ما ترونه إنما هو فضل من الله عليّ .. ولا حول لي
ولا قوة إلا بالله .. واسأله أن يثبتني ، وأن يزيدني من فضله ، وأن يرضى
عني وعنكم جميعا ..!
قال الراوي :
حين استحضرت تلك الصورة المشرقة ، تنفست الصعداء ثم قلت :
وأين أنا من هذه القمة الشماء ، وكيف لي أن أصل إلى تلك الذروة ..!؟
غير أني نفضت رأسي ، وعزمت أن أجعل صورة هذا الإنسان المتميز نصب
عيني ، وسأجهد أن أحاكيه وأترسم خطاه ، ولا بأس علي بعد ذلك أن أستزيد
معرفة وخبرة من هنا وهناك ، لعلي أصل إلى الصورة التي أرجوها ..
ولقد مضى علي في هذا الطريق خمس سنوات ، ورغم شهادة كثير من طلابي
أني نجحت بامتياز معهم ، غير أني اشعر أنه لا زال بيني وبين تلك القمة
بوناً شاسعا ، ولذا فلا زلت أصر على أن أصل ولو بعد سنين ..!!

ابو عبد الرحمن


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟