الموضوع: يا له من متزمت!
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2010-09-23, 11:19 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي يا له من متزمت!
يا له من متزمت!
حنافي جواد

سَمِعَهم يقولون الغرائبَ والعجائبَ، والمصائبَ والخُطوبَ؛ فأعرَضَ عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره، ولكنَّ كلامَهم يخترق إعْرَاضَه فيسمعه، تجاهَلَهم مِرارًا وتَكْرارًا؛ ولَمَّا ينفعه تجاهلُه؛ إذ كانوا كُثرًا، يعتمدون الوسائل الحديثة والتقنيات الجديدةَ تمريرًا لرسائلهم، وما تحملُه من دسائسهم ومَكْرهم، وخداعهم ورجْسِهم وخبثهم.



تحسبهم ناصحين مُرشدين، وتلفيهم ماكرين مخادعين، تَعلو وجوهَهم الابتسامةُ وقلوبهم تُكَشِّر عن ناب الخيانة، إنهم شياطين البشر.



ورغم ذلك فإن "عبد الله" لم يستسلمْ؛ كما استسلمَ أخٌ له من قبل، وكان يَكْبُرُه سنًّا، ويقلُّ عنه عقْلاً وفَهمًا، وظلَّ العبدُ حريصًا كلَّ الحِرْصِ على أخلاقه وأفكاره، ودينه وشريعة ربِّه، فرأيتَه يعضُّ عليها بالنواجذ عضًّا، فيا له من مُتَزَمِّت[1]!! وكنتُ سأعجبُ من أمره، لولا أنَّه عبدٌ مخلصٌ لله.



سَمِعَهم يقولون: جمِّلها وأحْسِن تجميلَها، وحسِّنها وأجْمِل تحسينها، ولتستعرضها في الشوارع والمقاهي، والمحلات التجارية الفاخرة والأزِقَّة الواسعة، وعلى ضفاف الأنهار والبحار، وفوق الرمال وتحت المياه، لا تستحِ واصْنعْ ما شئتَ؛ إنَّك حُرٌّ ابن الأحرار، فلا تهتم بكلام العبيد الأشرار.



سَمِعَهم يقولون: إيَّاك ألاَّ تُجمِّلَها.

♦ إيَّاك ألاَّ تُلبسَها أحسنَ اللِّباس.

♦ إيَّاك ألاَّ تُعطِّرَها بأفضل العطور.

♦ إيَّاك ألاَّ تُلبسَها القصير من الثياب.

♦ إيَّاك ألاَّ تُلبسَها الشفَّاف من السراويل والفساتين.

♦ إيَّاك ألاَّ تُجمِّلَها بالمساحيق.

♦ إيَّاك ألاَّ تكشفَ شعرَها.

♦ إيَّاك ألاَّ تُطيلَ أظافرَها.

♦ إيَّاك ألاَّ تُلبسَها أضيقَ اللِّباس.

♦ إيَّاك أن تمنعَها من مسايرة جديد الموضة.

♦ إيَّاك ألاْ تقدِّمَها لأصحابك وزُملائك.

♦ إيَّاك ألاَّ تُظهر شيئًا من نحْرِها وصدْرها وظهْرها، وما لا يحسن ذِكْرُه.

♦ إيَّاك ألاَّ تُلبسَها سراويل "الدجينز"، وليكنْ ضيِّقًا جدًّا.

♦ إيَّاك ألاَّ تظهرَ مفاتنَها كلَّ مفاتنها.



سَمِعَهم يقولون:

♦ قلْ للناظرين: تمتَّعوا.

♦ قلْ لهم: تأمَّلوا في خَلْق الله وحدائقه تدبَّروا.

♦ قلْ لهم: إنِّي بطلٌ.

♦ قلْ لهم: أطيلوا النظرَ، انظروا النظرة الأولى، انظروا النظرة الثانية.

♦ انظروا النظرة الثالثة.

♦ انظروا، انظروا.

♦ قلْ لهم: إنِّي لستُ مُتَزَمِّتًا.



سَمِعَهم يقولون:

ارفعْ رأْسَك، وسِرْ منتصبَ القامة، مرفوع الهامَة، وافتخرْ ولا تخجلْ، اندفعْ بصدرك ولا تتوانَ، واعلمْ أنَّك بطلٌ، وإيَّاك أنْ تظنَّ أنَّك على ضَلالَة؛ فإنَّك في الطريقِ على استقامة.



وتلك هي طريقُ التحرُّر والحَدَاثة، وما بعد الحَدَاثة؛ فلا تَكُ مُتَزَمِّتًا.



سَمِعَهم يقولون:

♦ كنْ مُنفتحًا، ولا تكنُ مُنغلقًا.

♦ كنْ حَدَاثيًّا، ولا تكنْ عَدَميًّا.

♦ كن تقدُّميًّا، ولا تكنْ رجعيًّا.

♦ كنْ....، ولا تكن....

♦ كنْ متحرِّرًا، ولا تكنْ مُتزمِّتًا.



سَمِعَهم يقولون:

♦ لا تمنعْها من تقبيلهم.

♦ لا تمنعْها من مُصافحتهم.

♦ لا تمنعْها من مُخالطتهم.

♦ لا تمنعْها من مُفاعلتهم.

♦ لا تمنعْها أيُّها الرجل.



سَمِعَهم يقولون:

♦إنَّنا إخْوَة.

♦إنَّنا أحبَّة.



سَمِعَهم يقولون:

♦ دَعْهم يتمتَّعوا بها.

♦ دَعْهم يداعبوها.

♦ دَعْهم يستمتعوا بالنظر إليها.

♦ دَعْهم، ولا تحرمهم.



سَمِعَهم يقولون:

♦ الغِيرة سلوكٌ مَرَضِي.

♦ الغيور يحتاجُ إلى طبيبٍ نفسي.

♦ اقتلوا الغيور؛ فإنَّه مريضٌ.



سَمِعَهم يقولون:

دَعْها تلعب، دعها تمرح؛ فعصرُنا غير عصْرِهم، والانفتاح مَطْلب حضاري، والجمود سلوكٌ غير عقْلاني، والمرأة المتحرِّرة سبيلٌ إلى التقدُّم والرُّقِي.



سَمِعَهم يقولون:

♦ وإيَّاك ثم إيَّاك أنْ تسمعَ إلى لَغْوِ هؤلاء المتزمِّتين، مَن ضيَّقوا على الناس في الدِّين.

♦ فالحجاب في القلب لا في الرأْس.

♦ والعِبرة بالمخبر لا بالمظهر.



سَمِعَهم يقولون:

إنَّ هؤلاء القوم أعداء الحريَّة والانفتاح والديمقراطيَّة، فلنحاربهم بالآلة والحديد، والقِرْطاس والقلم السديد.

♦ فعن أيِّ حجابٍ يتحدَّثون؟!

♦ وفي أيِّ نقابٍ يُدَنْدنون؟!

♦ لا تأْبَه بهم؛ فإنهم مُتزمِّتون.



سَمِعَهم يقولون زُورًا: وسْوَس لهم الشيطان فأعْمَى أبصارهم وأضلَّهم عن السبيل فأزاغهم، غفَرَ الله لنا ولهم.



فإذا كان التزمُّتُ في نظرهم حشمة ووقارًا، وحياءً وأدبًا وفضيلة، فإني أدعو الله أن يجعلَني من المتزمِّتين، فقولوا معنا: اللَّهمَّ اجعلْنا من المتزمِّتين!



-2-



ولَمَّا ألْفوا صاحبَنا صلْب العود متينًا، غير مقدور على اختراق لُبِّه للنفاذ إلى صلبه، ساوموه عسى أن يقتحموه.

المساومة الأولى: هلاَّ حجَّبتها حجابًا عصريًّا، يواكب المتغيِّرات، وينفتح على المستجدَّات؛ كما نشاهدُ ذلك في بعض القنوات؛ حيث المذيعات جميلات أنيقات ومحجَّبات! فإنهنَّ خُلِقْنَ لزمن غير زماننا، ثم إنهنَّ حريصات على الجمال والزينة والنظافة، لسْنَ كجنْسِنا نحن الذكورَ، فلئن فعلتَ ذلك، فلن تُدْرَجَ ضمن قائمة المتزمِّتين، وستخرج وإيَّاها من الشُّبهة.

♦ قال: لا، لا، لا، لا.



المساومة الثانية: دَعْها تفعل ما تشاء، دَعْها تلبس ما تشاء حتى تتزوَّج، فإذا تزوجت احتجبتْ، ولن تكونَ مسؤولاً عنها بعد زواجها؛ زوجُها هو المسؤول، ولا يهمُّك بعد ذلك شيءٌ، فلا تضيِّق عليها الخِناقَ فَتَتَمرَّدَ.

♦ قال: لا، لا، لا، لا.



المساومة الثالثة: هلاَّ أظهرت قليلاً من صدْرها ونحْرها وشعرها، ولتدعْها تزيل قليلاً من شعر حاجِبَيها؛ فقد أفتَى علماؤنا بجوازه، ولا تمنعْها من حذاء الكعب العالي؛ فلا حرجَ في ذلك ما دامتْ محجّبة.

♦ قال: لا، لا، لا، لا.



ونظرَ إليهم نظرة المتفرِّس القوي، وقال: ألهذا اجتمعْتُم عليّ؟ والله ثم والله، لو وضعْتُم الشمس في يميني، والقمر في شمالي، وكلَّ الكواكب قُدَّامي، ما تنازلتُ عن تزمُّتي بقدْر شعرة واحدة.



ثم اعلموا أني لم أُلْزِمْها بالحجاب والحياء، وإنما اختارتْه عن طِيب خاطرها؛ ابتغاء مرضاة ربِّها، ولو أنَّ الإسلام لم يَفْرِضْ عليهنَّ الحجاب لحجَّبْتُهنَّ؛ إذ تقتضي العقول السليمة أن يُحَصَّنَ الكنزُ ويُحْمَى المال، وهنَّ عندي أفضلُ مالٍ وأثمنُ غالٍ.



ولَمَّا سمعوا الكلام، وأيقنوا أنَّ الرجلَ على اتِّزان، يعي ما يقول، ويقول ما يوقِنُ، وأنَّه مُحَصَّنٌ بحرس العقيدة وجنود الفضيلة، انفضُّوا من حوله خاسئين، صاغرين، مذعورين.



وجاءتْ طائفة ثانية؛ لتناور في القضيَّة؛ عسى أن تظفرَ بمَزيَّة، تدَّعي أنها حقوقيَّة، تتبنَّى قضايا الإنسانيَّة؛ جمعيَّات مَدَنيَّة، وأخرى حكوميَّة.



سَمِعَهم يقولون:

♦ ليس من حقِّك، ليس من حقِّك.

♦ مِن حقِّها، من حقِّها.



سَمِعْتُه يقول:

♦ لن أتنازلَ ، لن أتنازلَ.

♦ لن أخضعَ، لن أخضعَ.



وفي آخر المطاف انتصر الباطل اللَّجْلَج على الحقِّ الأبْلَج، فحَكَمَ على صاحبنا أنْ يخرجَ من الأرض، ليسكنَ في كوكب خاصٍّ بالمطرودين من المتزمِّتين المنبوذِين.



فجاءتْ مَرْكبة فضائيَّة، فامتطاها المطرودون، واجتمعَ الناس عليهم ينظرون، يتحسَّرون يتأسَّفون، ومنهم قومٌ فَرِحون، فساومُوهم آخرَ مساومة؛ ليعْدِلوا عن رأْيهم، فيكونوا من المرجعين، فلم يعدِلوا رغْم إلحاح الملحِّين، وإصرار المصرِّين؛ من الحاضرين والناظرين.



فأُذِنَ للمَرْكبة: أنِ انطلقي، وحُكِمَ على الباقين منهم بالغَرَق.



حيينا في الكوكب الآخر حياة طيبة جميلة، لم نفتقرْ فيها إلاَّ لشيءٍ من المشكلات؛ كالتي كانتْ تطرأُ بيننا وبين قومنا، ومن ثَمَّ أيقنَّا أنَّ المشكلات نعمة ربَّانيَّة؛ ولولا المشكلات ما تعلَّمْنا.



اكتشاف: اكتشفَ أحبَّاؤنا من المنفيين في الكوكب الآخر حجارة كريمة ثمينة، درسوها وتعرَّفوا على بِنْيتها، فدونوا التقارير، أُرسلتْ إلى الكواكب المجاورة، فعَلِم المختصُّون أنَّ هذه الحجارة بديلة عن مصادر الطاقة الملوَّثة؛ فيُمكن أن تحلَّ محلَّ النفْط ومشتقَّاته، فاختلفَ القوم في تسميتها، فرأى بعضُ المنفيين أن يسمُّوها حَجَر التَّزَمُّتِ (Atazamet).



اشتقْنا إلى قومنا رغْم أنهم ظالمون، وعن سبيل ربِّهم زائغون - هدانا الله وإيَّاهم!



سنعود إليهم؛ لنرشدَهم ونوجِّهَهم الوِجْهة السليمة، وأَخَذْنا الميثاقَ من أنفسنا ألاَّ نكَلَّ ولا نَمَلَّ.



إنَّ قومنا ضحايا مناهج فاسدة، ووسائل هدَّامة؛ إعلاميَّة وغير إعلامية، ووساوس شيطانيَّة.



لقد تعلَّمْنا من بعض سكان الكوكب الآخر خُططًا تغييريَّة فعَّالة، لم يهتدِ إليها أكْثَرُ البشر، جرَّبْناها على عيِّنات وكانت النتائجُ باهرة، وما دام شرْحُ الخطة التغييريَّة سيطول، فإني مُلَخِّصُها في المعادلة التالية:

(HILM × SABR= T+Z+M2).



ولَمَّا عَلِمت الشياطين بأمْرِنا، وسوستْ لبعضنا قائلة: "لِمَ ستعودون إليهم وأنتم المطرودون؟ ويلكم أيُّها الغافلون".



فأعْرضْنا عن قول الشياطين، وطردْناها بآياتٍ بيِّنات من الذِّكْر الحكيم، فانخنسوا عنَّا فارِّين، وعن طريقنا مُبْعَدِين، فمضينا إلى سبيلنا نمْشي سَيْرَ الجادين، فركبْنا المركبة وانطلقنا إلى الأرض مُسْرعين.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] قال ابن منظور في مادة "زَمت": الزَّمِيتُ والزِّمِّيتُ: الحليم الساكن، القليل الكلام، كالصِّمِّيت، وقيل: الساكتُ، والاسم الزَّماتَة، وقد تَزَمَّتَ، وما أَشدَّ تَزَمُّتَه، ورجل مُتَزَمِّتٌ، وزِمِّيتٌ، وفيه زَماتة.

ابن الأعرابي: رجل زَمِيتٌ وزِمِّيتٌ إِذا تَوَفَّر في مجلسه.

الجوهري: الزِّمِّيتُ مثال الفِسِّيق، أَوقَرُ من الزِّمِيت، وفي صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَنه كان من أزْمَتِهم في المجلس؛ أي: من أرْزَنِهم وأَوْقَرِهم، قال ابن الأثير: كذا ذكره الهرَوِي في كتابه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي جاء في كتاب أبي عبيد وغيره، قال في حديث زيد بن ثابت: كان من أفكه الناسِ إذا خلا مع أهله، وأَزْمَتِهم في المجلس؛ قال: ولعلَّهما حديثان؛ وقال الشاعر في الزِّمِّيت بمعنى الساكن:

والقَبْرُ صِهْرٌ ضَامِنٌ زِمِّيتُ
لَيْسَ لِمَنْ ضُمِّنَهُ تَزْبِيتُ

والزُّمَّتُ: طائر أَسود، أحمر الرجلين والمِنْقار، يَتَلوَّن في الشمس أَلوانًا دون الغُداف شيئًا، ويَدْعُونه العامَّة: أَبا قَلَمُون، ويُقال: ازْمَأَتَّ يَزْمَئِتُّ ازْمِئْتَاتًا، فهو مُزْمَئِتٌّ إِذا تَلوَّن أَلوانًا مُتَغايرة.


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟