عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2010-09-22, 3:37 PM
المناجي ربه
رقم العضوية : 122797
تاريخ التسجيل : 8 - 7 - 2010
عدد المشاركات : 40

غير متواجد
 
افتراضي

أماكن أرواح الصالحين بعد موتهم:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، لا إله إلا هو يفعل ما يشاء، أشهد أنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، هو الرحمة المهداة، والبشير النذير، والسراج المنير، أرسله الله إلينا، علمنا فأحسن تعليمنا، وأدبنا فأحسن تأديبنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله! إن هذه الروح يكون لها مواقف شتى في أمكنة مختلفة قد جاءت في الأحاديث الصحيحة، فإن قلت يا عبد الله: أين تكون الأرواح إذا خرجت؟ فإن النصوص قد جاءت بأن منها ما يكون في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وجاء في بعض النصوص بأنها تكون عن يمين آدم وعن يساره أرواح أيضاً، فعن يمينه أسمدة (وهي أرواح المؤمنين)، وعن شماله أفئدة (وهي أرواح الذين كتب الله عليهم العذاب)، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شخص بعد الموت محبوس على باب الجنة، فقال: (رأيت صاحبكم محبوساً على باب الجنة) وفي الحديث الصحيح: (ومنهم من يُحبس في قبره بسبب الدين، ومنهم من حبس في قبرة في غلة غلها)، ومن الأرواح ما يكون مقره عند باب الجنة كما جاء في حديث ابن عباس : (الشهداء على بارق) ما هو بارق؟ (قال: نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرةً وعشياً) حديث صحيح. إذاً: الأرواح منها أرواح في مراتب عليا تسرح في الجنة.. في مراتب عليا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ومنها ما يكون على بارق -نهر بباب الجنة- يخرج رزقهم من الجنة إليهم بكرة وعشياً، ومنها ما يكون في قناديل، أو منها ما يكون آوياً تحت العرش يأوي إلى تحت العرش كما جاء في الحديث أيضاً عن أرواح المؤمنين أنها معلقة، أنها تكون تحت العرش، ومن الأرواح ما يكون محبوساً في الأرض لا يرفع إلى الملأ الأعلى، ومنها ما يكون محبوساً في تنور من نار يأتيهم النار من أسفل فيضجون ويصيحون، وهؤلاء هم الزناة والزواني، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حالهم في الحديث الصحيح (أرواح الزناة والزواني تحبس في تنور من نار يعذبون إلى أن تقوم الساعة) هذا عذابهم في البرزخ، وكذلك أكلة الربا الذين رآهم النبي صلى الله عليه وسلم يسبحون في نهر الدم ويلقمون الحجارة، ويسبحون والحجارة في بطونهم في نهرٍ من دم منتن كما كانوا يأكلون الربا في الدنيا. عباد الله! إذاً الأرواح أحوال مختلفة في أماكن مختلفة، ولكن يبقى لها اتصال بالبدن، ولو كانت تطير وتسرح في أنهار الجنة في أعلى عليين فإنه لا يزال لها تعلق بالبدن في الأسفل في الأرض لتنعم أيضاً. ولا تقل: كيف يكون الشيء في مكانين في وقت واحد؟ فالجواب: هذا في الدنيا، أما عالم الغيب -أمر الآخرة- فهو أمر مختلف تماماً، نعم تكون في مكانين في وقت واحد، وتكون متصلة بالجسد وهي في أعلى عليين.



تلاقي أرواح المؤمنين بعد موتهم:

أرواح الأنبياء والصدقين والشهداء والصالحين معاً، فإن قلت يا عبد الله: هل تتلاقى أرواح المؤمنين بعد موتهم؟ فاسمع الجواب: في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي رحمه الله، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حُضِر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضية عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنه ليناوله بعضهم بعضاً -الملائكة تناول الروح، يناوله بعضهم بعضا إكراماً للميت- حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحاً به من أحدكم بغائبه يقدم عليه -ترحيب حار من المؤمنين بروح أخيهم الذي قبض حديثاً فجاءته روحهم- فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ -ممن تركتهم وراءك في الدنيا؟- فيقولون له: دعوه أي: يستريح- فإنه في غم الدنيا -كان في لأوائها ونصبها ومرضها وحزنها وغمها وهمها وعقوق أولادها وعصيان أزواجها- فإذا قال-مجيباً لهم عن السؤال الذي طرحوه: أين فلان؟ ما حال فلان؟- فإذا قال: أما أتاكم؟ -فلان مات الذي تسألون عنه مات- فيعلمون حينئذٍ، قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية) ما جاءنا، إذاً ذهب إلى مكان آخر، فما هو المكان الآخر؟ أمه الهاوية. إذاً: تتلاقى أرواح المؤمنين ويتساءلون فيما بينهم، وقد جاء عن أبي هريرة أيضاً رفعه قال: (إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، فيود لو خرجت نفسه -لله يحب لقاءه- وإن المؤمن يُصعد بروحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فتستخبره عن معارفهم من أهل الأرض، إذا قال: تركت فلاناً في الأرض، أعجبهم ذلك -اطمأنوا، ربما يصلح حاله أو يزداد صلاحاً إذا كان صالحاً- وإذا قال: إن فلاناً قد مات، قالوا: ما جيء به إلينا أين؟ إلى أمه الهاوية) حديث حسن.



تلاقي أرواح الأحياء مع أرواح الأموات:

أما تلاقي أرواح الأحياء مع الأموات فإن بعض أهل العلم قد فسروا قوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42] فسروه بذلك، بتلاقي أرواح ما يقتضي تلاقي أرواح الأحياء مع الأموات، ومنهم من قال غير ذلك، و علل بعض أهل العلم الرؤيا التي يراها الإنسان في نومه لميتٍ مات ويتحدث معه ويخاطبه ويكلمه بأنه من نتيجة تلاقي روحه لما خرجت وهو نائم وجالت وتجولت مع روح ذلك الميت. أما ما نُقل عن السلف في مسألة الرؤى التي رئيت للصالحين من موتاهم والأحاديث التي حدثوا بها فهي كثيرة جداً ومستفيضة، قال سفيان بن عيينة : رأيت سفيان الثوري بعد موته يطير في الجنة من نخلة إلى شجرة، ومن شجرة إلى نخلة، وهو يقول: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61] فقيل له: بم أدخلت الجنة؟ قال: بالورع. وقال صالح بن بشر : لما مات عطاء السلمي رأيته في منامي، فقلت: يا أبا محمد ! ألست في زمرة الموتى؟ قال: بلى. قلت: فماذا صرت إليه بعد الموت؟ قال: صرت والله إلى رب غفور شكور وخير كثير. ورئي الفضيل بن عياض بعد موته، فقال: لم أر للعبد خيراً من ربه. وقال أبو بكر بن أبي مريم: رأيت وفاء بن بشر بعد موته، فقلت: ما فعلت يا وفاء ؟ قال: نجوت بعد كل جهد. قلت: فأي الأعمال وجدتموها أفضل؟ قال: البكاء من خشية الله عز وجل. وقال عبد الله بن عبد العزيز: رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة، فقلت: أي الأعمال وجدتها أفضل؟ قال: الاستغفار أي بني. وقال سهيل أخو حزم : رأيت مالك بن دينار بعد موته، فقلت: أبا يحيى ! ليت شعري ماذا قدمت به على الله؟ قال: قدمت بذنوبٍ كثيرة محاها عني حسن الظن بالله عز وجل. وقال عمار بن سيف : رأيت الحسن بن صالح في منامي، فقلت: قد كنت متمنياً للقائك، فماذا عندك فتخبرنا به؟ فقال: أبشر! فإني لم أر مثل حسن الظن بالله شيئاً. ورأى الشيخ/ محمد الصالح -علامة القصيم - شيخه عبد الرحمن بن ناصر السعدي في منامه، فقال له: ما أكثر ما نفعك عند الله تعالى؟ فقال: حسن الخلق . وكان السعدي رحمه الله من المشهورين بحسن الخلق. وهذه قصة تأكدت من صحتها بنفسي، والذي يخبرك به الناس عما رأوه من حال أقاربهم بعد الموت في المنامات أشياء كثيرة جداً، فهذا عالم الأرواح بهذه الأسرار التي لا يعلمها إلا الله، وما علمناه نحن شيء يسير: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] وإن ما يحدث لهم الآن تحت الأرض وفي أعلى عليين وفي أسفل سافلين حوادث كثيرة جداً أكثر من الأحداث التي تحدث على وجه الأرض. كم مات من الناس من قبلنا من آدم إلى الآن؟ كلهم لهم قصص وأحداث الآن تدور رحاها، تحت الأرض وفي أعلى عليين وفي أسفل سافلين، أحداث كثيرة جداً تحدث ونحن عنها في غفلة، فاستعدوا يا عباد الله، ولنستعد ولنأخذ العدة بما نحن عليه الآن لما سنكون عليه بعد الموت. نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله زاداً نافعاً يبلغنا مآلاً صالحاً. اللهم اغفر لنا يا رب العالمين، وتب علينا إنك أنت أرحم الراحمين، اللهم عجل فرجنا، وثبت أمننا، اللهم ارزقنا إيماناً صالحاً، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أراد بلدنا هذا بشر فكده، اللهم من أراد المسلمين وبلادهم بسوء فدمره واجعله عبرة للمعتبرين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.