دموع البلابل
وحيد حامد الدهشان
شُعَرَاؤُنَا ... أَبْنَاءُ هَذَا العَصْرِ
يَبْتَهِجُونَ أَحْيَانَا
لَكِنَّهُمْ يَتَجَرَّعُونَ الحُزْنَ أَزْمَانَا
فَقُلُوبُهُمْ تَسْتَقْبِلُ الأَحْدَاثَ
وَالأَحْدَاثُ كَمْ حَمَلَتْ
هُمُومَ الخَلْقِ أَشْكَالاً وَأَلْوَانَا
بَاحَتْ بِهَا
لَمْ تَسْتَطِعْ - بِسَجِيَّةٍ - لِلحِسِّ كِتْمَانَا
فَالشَّاعِرُونَ
هُمُ البَلابِلِ فِي الرِّيَاضِ
تَصُوغُ إِشْرَاقَ الدُّنَا - إِنْ أَشْرَقَتْ -
فَرَحًا وَأَلْحَانَا
وَإِذَا اكْفَهَرَّ الجَوُّ
وَاجْتَاحَتْ جُمُوعَ الأَبْرِيَاءِ رِيَاحُهُ
فَقُلُوبُهُمْ تَغْدُو لِخَطْوِ الحُزْنِ مَيْدَانَا
فَهُمُ الأُولَى سَكَبُوا الدُّمُوعَ
لَدَى الفَوَاجِعِ... وَالضَّحَايَا
أَصْبَحُوا فِي العَالَمِ الغَيْبِيِّ سُكَّانَا
وَجَدُوا نَعِيمًا... رُبَّمَا
أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ... رُبَّمَا
لَكِنَّمَا الشُّعَرَاءُ - بِالتَّأْكِيدِ -
يَعْتَصِرُونَ مِنْ أَلَمٍ
وَيَرْسُمُ دَمْعُهُمْ صُوَرَ الأَسَى
لِلنَّاسِ... حِينَ يَفِيضُ هَتَّانَا
شُعَرَاؤُنَا.. أَبْنَاءُ هَذَا العَصْرِ مَذْبُوحُونَ
آمَالاً وَأَحْلامًا وَأَتْبَاعًا وَأَوْطَانَا
فِي كُلِّ وَادٍ يَصْرُخُونَ
وَقَلَّمَا يَجِدُونَ آذَانَا
إِنْ حَاوَلُوا فَكَّ القُيُودِ وَأَبْدَعُوا
مَا يَسْتَثِيرُ النَّائِمَ الغَفْلانَا
فَوَسَائِلُ البَثِّ المُبَاشِرِ لا يَمُرُّ خِلالَهَا
إِلاَّ الَّذِي لا يُغْضِبُ السُّلْطَانَا
وَيَرَاهُمُ الطَّاغُوتُ أَوْبِئَةً تُحَاصَرُ فِي شَرَانِقِهَا
وَهَلْ يُعْطَى الوَبَا بَيْنَ الشُّعُوبِ مَكَانَا؟!
سَمَحُوا لِبَعْضٍ مِنْهُمُ أَنْ يَخْرُجُوا لَمَّا غَدَا
مَا يَنْسِجُونَ طَلاسِمًا وَتَهَتُّكًا وَتَمَلُّقًا
لَمَّا غَدَا مَا يَنْطِقُونَ تَشَتُّتًا... هَذَيَانَا
هَامُوا هُنَالِكَ فِي ضَلالاتِ الرُّؤَى
سَارُوا وَرَاءَ السَّامِرِيِّ
وَجَمَّعُوا أَلَقَ الحُرُوفِ
وَشَكَّلُوا مِنْ سِحْرِهَا
الأَصْنَامَ وَالأَوْثَانَا
أَمَّا الأُولَى كَسَرُوا الشَّرَانِقَ عَنْوَةً
قَدْ فُوجِئُوا
عِنْدَ الخُرُوجِ بِمَنْ بَنَى
مِنْ حَوْلِهِمْ سُقُفًا وَجُدْرَانَا
البَعْضُ عَاشَ وَبَعْضُهُمْ
شَقُّوا الجِدَارَ... تَفَرَّقُوا
مَنْ سَارَ فِي دَرْبٍ عَسِيرٍ شَائِكٍ
فَإِذَا بِهِ خَلْفَ الحُدُودِ
يَعِيشُ مَنْفِيًّا وَتَفْتَحُ أَرْضُهُ... لِعُدَاتِهَا الأَحْضَانَا
وَالبَعْضُ حَاوَلَ أَنْ يُحَرِّرَ أُمَّةً فَإِذَا بِهَا
رَصَدَتْ لَهُ سَجَّانَا.