عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2006-04-29, 1:45 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
--------------------------------------------------------------------------------


( الحلقة الثانية )


إن معرفة الأسباب سبيل سريع النتيجة لحل أي مشكلة ، وخصوصًا فيما يتعلق بالحياة الزوجية ، التي يفترض فها الوئام والحب والصفاء ، وقد ذكرت في العدد السابق أربعة أسباب لاختلاف الزوجين حول النفقة : الضعف المادي لدى الزوج أو بطالته عن العمل ، والبخل ، والجهل بأجر الإنفاق على الأهل ، وعدم بناء المنزل على التعاون والألفة .

وأما السبب الخامس : فهو انبهار الزوجة أحيانًا بالمال وبالوظيفة حتى تجعلهما في مقابل حياتها الزوجية السعيدة ، فهي تريد أن تجمع بين الخروج من المنزل للعمل واكتساب المال منه ، مع الاستمتاع بحياة زوجية هانئة ، وعدم حدوث أيَّ مشكلة بسبب هذا كله ،وأن لا يطالبها الزوج بحقوقه ، وهذا ربما كان عسيرًا في تقبّله أو التأقلم معه ، فلو أن الزوجة كانت حريصة فعلاً على هذه المكتسبات المادية والمعنوية ، لرأيتها تضاعف شيئًا من جهدها لتقوم على زوجها خير قيام إذا أتت إلى منزلها ، فتراه لا يشعر بتقصيرها معه ، بل ولا يفكر في مطالباتها بترك وظيفتها ، وإذا كانت لا تستطيع ذلك لأي عذر في صحتها أو طبعها ، فلا أقل من أن تشاركه بالنفقة مقابل ذلك بالمعروف وبما يناسب اكتسابها .

وأما السبب السادس: تورط الزوج في المحرمات من قروض ربوية تلاحقه ، أو إدمان المخدرات والمسكرات وما يعقبه أحيانًا من سجن ونحوه ، فهذا يجعل العبء على المرأة كبيرًا وثقيلاً وخصوصًا إذا كان الزوج لا يحمل في قلبه مسؤولية البيت ولا هم معيشتهم أو رعايتهم .
كتبت إحداهن عن نفسها فقالت: (( عشت مع زوجي في بداية حياتنا حياة هانئة ، فزوجي الحنون الكريم تغير بعد سنة واحدة من الزواج وكنت قد أنجبت طفلتي الأولى..ومن بين دموعها تضيف عائشة : لقد دخل زوجي عالم المخدرات من خلال الصحبة السيئة التي كان يقضي معها معظم وقته حيث صار راتبه مخصصًا لهذه الآفة.. ، عندها وجدت نفسي مضطرة لأن أقوم بالنفقة على البيت، وذلك بعد أن حاولت إقناعه بدخول المستشفى للعلاج لكنه رفض ذلك تماماً.. وبقلب مؤمن ورضا تقول عائشة : إنني أحمد ربي وأشكره لأن راتبي كبير بحيث يكفي لجميع نفقات البيت بالإضافة إلى مرتب الخادمة ، وتضيف أنا راضية بقدري وهو مع هذا السوء أفضل من الطلاق الذي نصحني به البعض !! )) .
ونحن نقول : ماذا عمن ليس لها راتب كبير أو ليس لها راتب إطلاقًا !!

وأما السبب السابع : الظروف الطارئة من موت ومرض أو إعاقة ، وهذا ظرف خاص له أحكامه الخاصة به ،وليس موضع حديثنا ؛ لعدم وجود عنصر الاختلاف فيه .
ولهذه الأسباب ونحوها أظهرت إحصائية في مدينة القاهرة أن 31% من أسرها تعولها النساء ، وفي عمّان الأردن تصل نسبة النساء المنفقات على أسرهن إلى 20% .
ومعرفة الأسباب وواقع الإحصائيات يهيب بأهل الدراية والمسؤولية أن يلتفتوا إلى هذا الموضوع بجدية وعمل على كل الأصعدة .

لماذا وجبت النفقة على الزوج ؟
والجواب يوجزه ابن قدامة ’ قائلاً : (( هو أن المرأة محبوسة على الزوج ـ أي مقصورة عليه ـ يمنعها من التصرف والاكتساب ، فلا بد أن ينفق عليها )) المغني : 11/348 .
وهذا منتهى العدل والضمان الحقيقي لحق المرأة المسلمة ، فليس نفقة الزوج عليها من باب التفضل منه والمنة عليها ، وإنما هو من فضل الله الذي منحه إياه ، وكتبه لها مقابل معاشرتها له بالمعروف ، والقيام على إسعاده وراحته ، وبهذا الانسجام في القيام بهذه الحقوق تعيش الأسرة المسلمة حياة سعيدة رغيدة .
وتأمل معي ـ يا رعاك الله ـ كيف شقيت المرأة الغربية حينما نزلت إلى حضيض الإهانة فابتذلت إنسانيتها فضلاً عن أنوثتها ، وكسرت حياءها إلى أن قامت ليس بأعمال البشر ولو كانت فاحشة وساء سبيلاً كالزنا ، وإنما بأعمال الجمادات ، فقد حدثني أحد الإخوة أنه حينما زار بلدًا أوربيًا رأى في الأسواق ما يقف الإنسان العاقل أمامه مشدوهًا ، إنها المرأة تقوم خلف زجاج المحلات التجارية مقام الدمى التي توضع عليها الملابس بكل أشكالها ، حتى لتظن أنها من جمودها أنها من الشمع ، وإذا بها تتحرك بين الفترة والأخرى بحركات ترى أنها تثير إعجاب المتسوقين ، فإذا انتهت فترة عملها ، جاءت غيرها مكانها ، وذهبت إلى منزلها بنفسٍ تحمل في ذاكرتها أنظار المتفرجين والمتفرجات بكل ما تعنيه من مهانة لها وإكبارٍ أو إسفاف لما ارتدته من أزياء ، وكأني بها تقول في نفسها كما قالت عارضة الأزياء الفرنسية المشهورة : (( إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول )) ، والتي أضافت قائلة : (( عشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ، ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل ولا حياء )) وقد ختمت آهاتها المحرقة قائلة : (( لم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ إلا من الهواء والقسوة ، بينما كنت أشعر بمهانة النظرات واحتقارهم لي شخصيًا واحترامهم لما أرتديه )) ، هذا ما قالته ( فابيان ) الفرنسية البالغة من العمر ثمانية وعشرين عامًا ، وذلك بعد إسلامها وفرارها من ذلك الجحيم الذي لا يطاق .

والمرأة المسلمة التقيّة حتى لو خرجت للعمل ، فإنها خرجت لأداء رسالة يأمر بها دينها ، وهي تعليم بنات جنسها دين ربها ، أو معالجة أدوائهن ، أو نشر الفضيلة عبر الصحافة النقية ، أو المشاركة في أعمال البر والإحسان في مجتمعها بما لا يخل بحشمتها ولا يعرّضها للفتنة ، وهي بتقواها وصلاحها تسعى ألا يؤثر هذا على سعادتها مع زوجها أو يقلل من رعايتها لأبنائها ، ولو أخذ منها هذا أو ذاك جهدًا أكبر ، لأنها تعلم علمًا يقينيًا أن الحياة جهاد ، وما أجمله أن يبذل لسعادة الأسرة ونهوض الأمة .

ولفتة أتمنى من الزوج صاحب النظرة الثاقبة البعيدة أن يلتفت إليها ، وهي أننا نعلم بلا ريب أنك ترغب في زوجة لا تُنقِص من حقوق إسعادك شيئًا ، ولكن هل لك أن تعذرها فيما يبدو منها من نقص في بعض حقوقك ؟ فهي تظل بشرًا ، وإذا علمت أن سبب تقصيرها هو عملها الشريف الذي تخدم به مجتمعك وأمتك ، فهذا يشفع لها في غض النظر عما يبدر منها من تقصير ، فلتكن عونًا لها ، ولتكن عونًا لك ؛ لتسير دفة المنزل والمجتمع نحو السعادة والنجاح . [/RIGHT]